هو عالم الاقتصاد الدولى الشهير، والأستاذ الحقوقى المعروف، عرفته مدرجات الجامعة أكاديمياً، ومنابر العمل السياسى مناضلاً، يذكره تلاميذه ـ وأنا منهم ـ عندما كان يدخل قاعة المحاضرات ملتزماً بارتداء «الروب الجامعى»، محاضراً بلغة عربية رصينة، معبراً عن آراء مستقلة وأفكار رائدة فى إطار إيمانه بـ«ديناميات» النظام الرأسمالى، إذ لم تكن علاقته ودية بالنظم الشيوعية والفكر الشمولى، وهو القائل فى مقدمة أحد كتبه «إن الاشتراكية والديكتاتورية صنوان لا يفترقان»، وهو أيضاً أستاذ التجارة الدولية الذى قضى أوقاتاً طويلة فى محافلها وصناديق الائتمان لها، وعرفه المجتمع الدولى خبيراً يدرك معنى الحياد الأكاديمى والموضوعية العلمية، فضلاً عن انتصاره منذ البداية لقضايا الحريات، مع إيمان عميق بالديمقراطية وآلياتها الحديثة، وعلى الرغم من الثقافة الغربية لذلك الأستاذ الجامعى رفيع الشأن إلا أنه ضرب بسهم واسع فى الثقافة العربية الإسلامية، فكان يزين مقدمة بعض كتبه بعبارات لـ«ابن المقفع» وغيره من المفكرين فى العصرين الأموى والعباسى، وقد تحول الرجل فى سنوات عمره الأخيرة إلى ناشط سياسى مناضل، يتحدى سلطة الحكم ويطرق أبواب الحرية ويحمل مشعل الاستنارة، فأنشأ مع كوكبة من المثقفين من زملائه وتلاميذه جمعية «النداء الجديد» التى تعد من الإرهاصات الأولى فى عملية التحول الديمقراطى خلال تسعينيات القرن الماضى، وظل الرجل يجوب المنتديات محاضراً والمؤ تمرات محدثاً، وكان الرئيس السابق «مبارك» فى غمار الأزمة الاقتصادية المصرية قد أوفد إليه مستشاره السياسى الدكتور أسامة الباز، يعرض عليه منصب نائب رئيس الوزراء، كمقدمة لما هو أعلى من ذلك، اعترافاً بعلمه وأملاً فى أن يكون على يديه خروج مصر من عنق الزجاجة، وقد أملى د.سعيد النجار على مبعوث الرئيس شروطه التى تعارضت تماماً مع طبيعة النظام السياسى وروح الحكم حينذاك، ونأى د.سعيد النجار بنفسه عن دوامة السلطة، معتزاً بذاته مستقلاً بفكره رافضاً الإملاءات متعالياً على التوجيهات، وتربطنى بأستاذى د.سعيد النجار صلة نسب ومصاهرة، فعائلته تنتمى إلى عزبة «النجارين» فى مركز «الدلنجات»، وهناك اقترن واحد من أجداده بواحدة من جداتى فى عشرينيات القرن العشرين، إن د.سعيد النجار شخصية استثنائية بكل المقاييس، فهو يجمع بين المستويين النظرى والعملى معاً، مع احتكاك مباشر مع القوى الخارجية فى مجالات متعددة، وقد احتشد عدد كبير من تلاميذه ومريديه فى احتفال تأبين ذلك الاقتصادى الكبير والعالم الجليل، وتحدث الكثيرون عن أفضاله الشخصية وإنجازاته الفكرية، وكان من بين الحاضرين ممثلون عن كل ألوان الطيف السياسى وأكاديميون وإعلاميون واقتصاديون ورموز من الحياة العامة المصرية، لأنه المفكر السياسى والاقتصادى الذى ظل شامخاً حتى آخر لحظات عمره، عندما انسحب من الحياة فى وقتٍ كان الوطن فى أشد الحاجة فيه إلى واحد من أفضل أبنائه وخيرة رجاله.. إنه د.سعيد النجار، الذى كان قيمة كبيرة ومكانة عالية وكياناً مبهراً.
جريدة المصري اليوم
19 يونيو 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/49592