نتذكره حين نتذكر صحيفة «الأهرام» فى ستينيات القرن الماضى عندما كان هو المستشار القانونى لها، نتذكره حين نتذكر محنة «القضاء المصرى عام 1969» ولقاءه بالرئيس الراحل «عبدالناصر» فى صحبة الأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل»، نتذكره كواحد من أهم أساتذة القانون المتخصصين فى جرائم النشر عبر العقود الأخيرة. إننا نتذكره أكثر وأكثر بعد كل حادث طائفى، حيث يدور الجميع حول أنفسهم قائلين إن «تقرير العطيفى»، الذى كتبته لجنة برئاسته عقب أحداث «الخانكة» و«الزاوية الحمراء» عام 1972 حينما كان هو وكيلاً لمجلس الشعب فيه المخرج مما نحن فيه، بل نتذكره أيضاً عندما نشهد احتفال البرلمان المصرى بقادة أكتوبر، وهو يضع نجمة سيناء على صدر الفريق «محمد حسنى مبارك»، قائد القوات الجوية وقتها. إنه «جمال العطيفى» الذى جمع بين الخبرة القانونية والرؤية السياسية والفهم العام للمشهد المصرى فى عصره، ولقد بلغ من تواضع الرجل أنه اتصل بى ذات صباح فى سبعينيات القرن الماضى، لكى يقول لى بالنص (لقد اقتبست من مقال لك عبارة تقول فيها «إن العروبة ليست رداءً نرتديه حين نريد ونخلعه حين نشاء»)، وأضاف أنه قد ضمنها فى تقرير للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان، التى كان يترأسها وقتها فهو رجل صادق يستحق الاحترام بكل المعايير، فضلاً عن بساطته وتواضعه، أتذكر أنه زار «لندن» فى رحلة علاجية، وأنا أعمل بالسفارة المصرية هناك فاكتسب الرجل تقديرنا جميعاً لرحابة صدره وسعة أفقه، واستعداده للحوار الحر دون قيود أو محاذير، ولقد ارتبط به ـ من خلال الصداقة والمصاهرة معاً ـ الأستاذ الدكتور «صوفى أبوطالب»، أستاذ تاريخ القانون، ثم رئيس جامعة القاهرة، ثم رئيس مجلس الشعب، الذى رحل عن عالمنا أثناء رحلة آسيوية منذ سنوات قليلة، إن «جمال العطيفى» قد لعب دوراً توفيقياً فى الحياة السياسية والبرلمانية فى عصر الرئيس «السادات»، وكان دوره متألقاً على الساحة القانونية فى كل الأوقات، والذين يطالعون «تقرير العطيفى» عن أحداث الفتنة الطائفية سوف يكتشفون كم نحن مقصرون فى حق الرجل والوطن معاً، ذلك أننا لم ندرك أهمية تطبيق توصيات ذلك التقرير الرصين فى وقتها، ولو أننا فعلنا ذلك لرفعنا عن أنفسنا ـ أقباطاً ومسلمين ـ معاناة عقود من الأحداث الطائشة والانفلات المتكرر، والتهميش المتعمد أو الموروث لطائفة عزيزة من المصريين، ولكننا للأسف نتباكى على الأمجاد الضائعة بعد فوات الأوان، ولا ندرك قيمة ما أهملناه إلا عندما نكتوى بنيران الفتنة ولهيب الطائفية البغيضة، ولقد كان الدكتور «جمال العطيفى» أكاديمياً جامعياً وبرلمانياً سياسياً وحجة قانونية فى تخصصه ولايزال تلاميذه يتذكرون محاضراته وتأثيرها عليهم وفيهم، فلقد كان الرجل عارفاً عن وعى بأخطاء الصحافة وتجاوزاتها ملماً بخفاياها ومشكلاتها، ولا غرو فقد تخرج فى مدرسة «أهرام الستينيات» عندما كانت «الأهرام» ملء السمع والبصر باعتبارها الصحيفة الأولى فى العالم العربى، بل فى الشرق الأوسط كله، ولقد ذكرتنى زميلة الدراسة الوزيرة «د. مشيرة خطّاب» ببعض الذكريات معه، خصوصاً أنه «خالها»، الذى تعتز به، وتقتفى خطاه ولاتزال تعيش مع تاريخه المضىء وسمعته المشرِّفة، وهو بالتالى أيضاً خال الأستاذة الدكتورة «مديحة خطاب»، العميد الأسبق «لطب القاهرة»، التى تعتبر حجة فى «أمراض الباطنة» بشهادة الجميع، وكثيراً ما التقيت ابنة «د. جمال العطيفى»، وبعض أفراد أسرته فيتجدد احترامى له وتقديرى لتاريخه المشرف. رحم الله «جمال العطيفى» جزاء ما قدَّم للوطن وللبرلمان وللقانون ولساحات العدالة ومجالات الصحافة والنشر، لقد كان رجلاً محترماً نظيف اليد عف اللسان، ظاهر الحجة قوى البيان.
جريدة المصري اليوم
13 مارس 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/195059