هو الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أستاذ الفلسفة الإسلامية، صوفى النشأة والنزعة، يحمل من اسمه النصيب الأوفى فهو رجلٌ مخلصٌ لدينه وفىٌ لقومه زاهدٌ فى المناصب عازفٌ عن الأضواء، ينتمى إلى بيت صوفى كبير من مدينة «الأقصر» العريقة، فوالده قطبٌ معروف وكذلك شقيقه فالبيت (الطيب) يتمتع بشعبية كبيرة هناك ويلوذ به أصحاب الحاجات ويتجه إليه المعذبون فى الأرض! ولقد علم الرجل بتعيينه شيخاً للأزهر وهو بين أهله من أبناء «الأقصر» فكانت مفاجأة حقيقية له لأنه لم يتطلع إلى المنصب ولم يلهث وراءه ولذلك رأى فيه تكليفاً قبل أن يكون تشريفاً خصوصاً أن الرجل كان قد شغل قبل ذلك منصبين هامين فكان «مفتى الجمهورية» ثم «رئيس جامعة الأزهر» وقد أبلى فى كليهما بلاءً حسناً، وأتذكر عندما دعانى لإلقاء محاضرة أمام الأزهريين فى قاعة الإمام «محمد عبده» حيث كان هناك لغط حول الزيارة المحتملة حينذاك للإمام الراحل الدكتور «محمد سيد طنطاوى» إلى «الفاتيكان» فى ظل ظروف كان فيها «البابا بندكت السادس عشر» يتخذ مواقف غير ودية تجاه الإسلام والمسلمين فحذرت فى تلك المحاضرة من التداعيات السلبية لمثل هذه الزيارة غير المدروسة وغضب منى يومها الإمام الراحل الذى كان صديقاً عزيزاً لكن الدكتور «الطيب» بفضله وخلقه حاول تقريب وجهات النظر وإنهاء الأزمة خصوصاً أن الإمام «الطنطاوى» كان معروفاً بالبساطة والتواضع رغم عناده الصعيدى أحياناً، وقد تواصلت بينى وبين الإمام الأكبر «د.أحمد الطيب» صلات المودة والمحبة وفى إحدى زياراتى له فى أواخر عصر الرئيس السابق «مبارك» دعانى الصديق السفير «محمد رفاعة الطهطاوى»- الذى كان وقتها مستشاراً سياسياً للإمام الأكبر- للتحدث للصحفيين فى أعقاب اللقاء ووجه إلىَّ أحدهم سؤالاً حول نفقات «الأزهر» ومصادر تمويله فطالبت يومها بشدة بضرورة استعادة «الأزهر» لأوقافه التى جرى الاستيلاء عليها منذ عدة عقود وقلت إن ريع الأراضى الموقوفة عليه تكفى لسد حاجات «الأزهر» وتمويل جامعته ومعاهده دون اللجوء للميزانية العامة للدولة! وعندما أذيع الحديث الصحفى فى «التليفزيون» اتصل الرئيس السابق بالسيد «صفوت الشريف» الذى كان رئيساً لمجلس الشورى، حيث كنت عضواً فيه وقال له (ما هى علاقة مصطفى الفقى بأوقاف الأزهر؟
اطلب منه أن يكف عن ذلك خيراً له!)، وقد اقتربت من الإمام الأكبر أكثر وأكثر أنا ومجموعة من المثقفين المصريين من جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية بل من مسلمين ومسيحيين حتى صدرت «وثيقة الأزهر» وبعدها فروعها الأخرى من الوثائق المتخصصة والتى شاركنا جميعاً فى مناقشتها وكانت الصياغة النهائية للمفكر والناقد المصرى الدكتور «صلاح فضل» وقد أبدى الإمام الأكبر أثناء الحوار حولها درجة عالية من الاستنارة واتساع الأفق حتى إن البابا الراحل «شنودة الثالث» طلب أن يوقع على تلك الوثيقة العظيمة قبل رحيله بشهور قليلة، ولقد استقبل المجتمع الدولى والعالمان الإسلامى والعربى تلك الوثيقة بحفاوة بالغة وذاع صيتها فى أنحاء العالم لتضيف إلى سماء «الأزهر» مركز الإسلام الصحيح وحافظ تراثه ولغته وساماً جديداً على صدر تلك المؤسسة الدينية العريقة وذلك فضل ينسب إلى الإمام الطيب ذلك الصوفى الورع الذى يعرف روح الإسلام الحقيقية،
ولقد أفزعنى كثيراً الهجوم على الإمام الأكبر فى الشهور الأخيرة بل والسعى إلى إقصائه ولو بنصٍ دستورى جديد، وأنا أتطلع حالياً إلى «هيئة كبار العلماء» كى تعيد اختياره إذا بدأ تطبيق البند الخاص بذلك فى الدستور الجديد حتى تكون عودته خدمة للإسلام والمسلمين كما عاد إلى المقعد مرة ثانية الإمام «المراغى» منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، فالأزهر يزهو دائماً بعلمائه الكبار وأئمته العظام، ولقد شممت- وأرجو أن أكون مخطئاً- رائحة «تصفية الحسابات» مع الإمام المتميز لأسباب نعرفها ويعرفها أصحابها عندما كان الإمام رئيساً «لجامعة الأزهر»، كما أن محاولة الزج به فى الانتماء للحزب الوطنى السابق هى محاولة كيدية فلقد تم وضع اسم ذلك العالم الجليل تجملاً وزهواً ولم يكن ذلك الحبر الفاضل متحمساً لذلك ولا مشاركاً فيه لكن آفة التعميم التى جدت مع عمليات التصفية والتى أصابنى منها شخصياً رذاذٌ قد يصيب منى الدور السياسى ولكنه لا يتجاسر أبداً على المكانة الفكرية!..
تحية لإمامٍ عصرى تتسق تصرفاته مع تقاه وورعه، مع فلسفته وصوفيته، مع ربه الأعلى وأمته التى كانت خير أمة أخرجت للناس!
جريدة المصري اليوم
19 ديسمبر 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/192399