إن الذى يتأمل ما جرى وما يجرى فى أروقة «بورصة البشر» المصرية سوف يكتشف أن هناك عملية صعود وهبوط قلبت الموازين وغيّرت وجه مجتمع وجعلتنا أمام مشهد مختلف تماماً، فمن كانوا «نجوماً» فى العهد السابق لم يعد لهم ذلك البريق الذى كانوا يتمتعون به، وشحب الضوء حولهم وسقطت الهالات وأصبحنا أمام نجوم جديدة تتزين بهم «مصر الثورة»، وبرزت أسماء لم يكن لها وجود. إن عملية الإحلال والإبدال التى جرت فى «مصر» خلال الشهور الأخيرة قد تصنع ممن يتأملها فيلسوفاً، أو تجعل ممن يفكر فيها صوفياً، فكل ما نراه تأكيد للنص القرآنى الحكيم (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) فلقد هوت نجوم وسقطت نيازك واختفت شخصيات وظهرت البدائل ولكن بمسميات جديدة، ولعلنا نلاحظ أن الأمر لم يقف عند حدود السياسيين وحدهم أو الشخصيات العامة فقط، لكنه وصل أيضاً إلى نجوم الفن وأعلام الأدب وشعراء العصر، كما طال رجال الإعلام المكتوب والمرئى والمسموع، فأصبحنا أمام عملية تغيير شامل غيرت الرموز وبدلت النجوم وخلقت مشاهير جدداً، لقد أصبحنا فى عالم السياسة على أسماء جديدة لا تنتمى كلها إلى أجيال جديدة ولكن بعضها على ما يبدو يمكن أن يكون متعجلاً فى الحصول على صفوف الثورة والتغنى بشعاراتها والاستفادة المباشرة من عوائدها، ولنا هنا ملاحظات ثلاث:
أولاً: إننا نؤمن بحركة التاريخ، ونؤمن بتداول السلطة، ونؤمن بدوران النخبة ولم نكن أبداً مختلفين مع الأمر الواقع الذى كان موجوداً والذى أصبح الآن، ولكن الأمر الذى يحيرنا كثيراً هو صعود عدد من الشخصيات على المسرح مما جعلنا أمام مشهد مقلق، خصوصاً أن لديهم شحنة كبيرة من المشاعر الانتقامية والدوافع الكيدية والرغبة فى تحويل «مصر» إلى ساحة صراع قد يمتد لسنوات، ولاشك أنهم فى قرارة أنفسهم يشعرون بالسعادة وقد أصبحوا نجوماً بين يوم وليلة فهم على شاشات التلفزة وصفحات الصحف يتحدث الناس عنهم ويذكر الجميع أسماءهم، فهم بالتالى يشعرون بأنهم قد ورثوا ما تركه نظام «مبارك» وحزبه، ولكن الأمر فى حالتهم مختلف، وهم يرون أن الذى جاء بهم إلى المواقع الجديدة هو الروح التى دبت فى أوصال الوطن بعد 25 يناير 2011.
ثانياً: لقد ظن البعض أن شعارات «الحرية» و«الديمقراطية» ودماء الشهداء فى «ميدان التحرير» وغيره قد ذهبت لتصنع نجوماً جدداً فى ظروف استثنائية لم يكن متاحاً لأصحابها أن يستمتعوا ببريق النجومية لولا ما جرى بعد يناير 2011، ولذلك فإننا نرصد النجوم الجدد ونقارنهم بالنجوم الذين اختفوا ونشعر أحياناً بأن الفوارق طفيفة، فالذى تغير هو الأسماء ولكن المضمون الإنسانى واحد والنفس البشرية لا تتغير.
ثالثاً: إن لدى بعض النجوم الجدد شهية واسعة فى التحرك إلى الأمام وشهوة أكبر فى حيازة المناصب والألقاب، ولو فتشنا فى تاريخ بعضهم لوجدناهم نسخاً مكررة فى الفكر والروح والسلوك من سابقيهم، وإن الذى حدث هو أننا قد غيرنا الأسماء كما يقولون من «أحمد» إلى «سيد أحمد»، وهذا عوار واضح فى مضمون الثورة المصرية خصوصاً أن بعض الرموز الجديدة قد لهثوا كثيراً وراء النظام السابق وكانوا بحق من مطاريده، فمنهم من اشتاق لموقع ولم يحصل عليه وآخر سعى إلى منصب لم يصل إليه فأصبحوا «فلولاً» من نوع جديد بين صفوف الثوار والمجاهدين، وهم يزايدون بالصيحات العالية والشعارات الزاعقة والعبارات الرنانة، والضحية فى النهاية هم بسطاء الناس الذين يدفعون «الفاتورة» دائماً.
هذه نظرة أمينة لظرف استثنائى ووضع مقلوب على الساحة الوطنية يدعونا إلى مراجعة الكثير مما نراه والتنقيب فى الأفكار المطروحة والبحث فى خلفية الشخصيات التى تطرحها.. إننا أمام وطن يسعى إلى مستقبل أفضل ولكن هناك من لا يزال يشده إلى الوراء.
جريدة المصري اليوم
13 يونيو 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/220971