بنى وطنى
هذه أول مرة أتحدث فيها إليكم من موقعى كرئيس لكل المصريين، بل خادم لهم جميعاً، معتزًًا بالثقة الغالية التى منحتمونى إياها، موجهاً تحية الشكر والعرفان لمن أعطونى أصواتهم وتحية الشكر والعرفان أيضاً لمن حرمونى ذلك التأييد الذى أراه مؤجلاً للحظة قريبة بإذن الله، إننى أبدأ فترة رئاستى بتحية ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التى أسقطت حائط الاستبداد وأطاحت برموز الفساد، وإذ أتحدث اليوم عن تلك الثورة المجيدة فإننى أدعوكم جميعًا لكى نوجه التحية للدماء الزكية التى روت أرض بلادنا الطاهرة وفتحت أمامنا أبواب الدولة العصرية الحديثة التى نسعى لبنائها، ونعاهد الله الحفاظ عليها، ولعلّى أضع أمام «شعب مصر» العظيم النقاط الآتية:
أولاً: إن الملفات الكبرى فى حياتنا المعاصرة تبدأ بملف «مياه النيل» وضرورة التوصل إلى اتفاق يلتقى حوله أشقاؤنا فى دول حوض «النهر الخالد»، ثم ملف «الوحدة الوطنية المصرية» مع نظرة موضوعية للمطالب العادلة التى طال انتظار أشقاء الوطن لتحقيقها، ولعلى أؤكد هنا بداية أن هذين الملفين يحتلان أولوية خاصة فى اهتمامنا، ويأتى بعدهما ملف «تعمير سيناء»، وملف «إنشاء مناطق اقتصادية حرة حول مجرى قناة السويس»، وملف «إزالة الألغام من صحرائنا الغربية والشرقية»، وهذه ملفات ذات طبيعة خاصة سوف نسعى لاقتحامها فى جسارة وروية فى ذات الوقت.
ثانيًا: يستأثر «التعليم» فى بلادنا باهتمام خاص، ويجب أن أقرر هنا، أن تراجع دورنا الإقليمى وانهيار دعائم الاستنارة والتقدم لدينا قد ارتبطت كلها بتدهور التعليم المصرى، الذى كان دائمًا هو الرائد فى المنطقة العربية والإسلامية والشرق الأوسط كله، بل بقاع واسعة من القارة الأفريقية، إن «التعليم» قضية القضايا وبوابة «مصر» للدخول إلى عصر تتطلع إليه.
ثالثاً: تحتل الرعاية الصحية خصوصًا للطبقات الفقيرة والفئات محدودة الدخل اهتمامًا لابد أن يكون شاغلاً أساسيًا للحكومات القادمة، كما أن الاهتمام بالبيئة وسلامة «النهر» ونقاء الأجواء هى طموحات لن نغفل عنها مهما كان ترتيبها فى سلم أولويات المرحلة القادمة.
رابعًا: إن العشوائيات تلتهم قدرًا كبيرًا من أحلامنا وتمثل مصدرًا أليمًا لمعاناة الملايين من شعبنا، كما أن فيها ما يعد عدوانًا على القيم الموروثة والتقاليد المرعية، وسوف نضع برنامجًا مدروسًا يقضى على العشوائيات فى سنوات خمس إذا ما تضافرت جهودنا وصدقت نوايانا والتحم المجتمع المدنى مع الحكومة، واقترن ذلك بتجاوب من المواطن المصرى الواعى.
خامساً: إن الدور الإقليمى المصرى الذى عرفته المنطقة منذ أيام «أحمس»، طارد الهكسوس، يجب أن يقوم على أسس رشيدة تؤمن بأن السياسة الخارجية طريق ذو اتجاهين، فيه الأخذ وفيه العطاء، ولنتذكر أن القوى الناعمة لمصر الحديثة، وفى مقدمتها «الأزهر الشريف»، و«الكنيسة القبطية»، والجامعات والمراكز البحثية هى جسور ممتدة تعيد إلى الأذهان حملات التنوير التى دفعت بها «مصر» تجاه أشقائها فى المنطقة، على امتداد القرنين الماضيين، ولسوف يكون للصراع العربى الإسرائيلى وللقضية الفلسطينية أولوية أولى فى سياستنا الخارجية مع التزامنا باتفاقاتنا الدولية وتعهداتنا الإقليمية، كما سوف نحترم دائماً ما وقّعنا عليه من قبل، مادام الطرف الآخر يمضى فى التزاماته متخليًا عن سياساته العدوانية التوسعية التى لا تخلو من عنصرية أحياناً.
.. هذه خطوط عريضة لتوجهات قادمة تقوم على استشراف المستقبل برؤية شاملة وإرادة كاملة، مع مظلة من «العدالة الاجتماعية» الحقيقية التى تقوم على نظام ضريبى فاعل يحترم حقوق الطبقة العاملة ويهتم بشؤون الفلاح المصرى حارس الزمان والمكان. كما أن تحقيق الاستقرار والقضاء على الانفلات الأخلاقى والأمنى لا يتحقق بغير تلك «العدالة الاجتماعية»، التى يشعر فيها الفقير قبل الغنى بالكبرياء الوطنية والتكافل الاجتماعى واحترام المقدسات الدينية، إذ دعت كل الأديان السماوية إلى العدل الاجتماعى والقضاء على الصراع الطبقى لكى تبقى مصر بلداً آمناً للجميع بغير استثناء أو استبعاد أو تهميش أو إقصاء.
حمى الله الكنانة وشعب «مصر».. وتحية للثورة العظيمة، والمجد للشهداء دائمًا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جريدة المصري اليوم
31 مايو 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/220566