نريده وطنياً حتى النخاع، لا يعيش قصة غرام مع ذاته، يعطى الأولوية لبلده وشعبه، لا يتوهم أنه حالة خاصة فيخلط بين قدراته التى يتحدث عنها ومواقعه التى سعت إليه فى ظل زمن عقيم، يسعى لتحقيق المصالح العليا لوطن ينتمى إليه ويحرص عليه، إننا نريده حازماً عادلاً، مثقفاً مستنيرًا، لم تتلطخ يداه ولم يتلوث تاريخه، نريده شخصية مهابة فى غير اصطناع، مؤثرةً بغير تكلف، شامخة بغير غرور، يعى تاريخ أمته جيداً ويعترف بأخطائه قبل أن يتحدث عن مناقبه ومزاياه، رئيساً لا يشترى الشعبية الرخيصة بجهل البسطاء ومعاناة المحرومين، رئيساً لا ينافق الناس بالدين ولكنه يفتح قناة مخلصة صافية مع ربه وخالقه، رئيساً يحمل برنامجًا واضح المعالم وليس مجرد عبارات مرسلة وتعبيرات إنشائية تسترضى الموجة العالية فى المرحلة وتدغدغ مشاعر الجماهير وتتنكر فى النهاية للعباءة التى خرج منها ذلك المرشح والتاريخ الذى التصق به، إننا نريده رئيساً يدرك أن «مصر» بلد عظيم يستحق أفضل بكثير مما هو عليه، نريده رئيساً يحمل بين يديه خططاً واضحة للإصلاح والإعمار والنهضة، رئيساً فيه رصانة «جواهر لالنهرو» وشموخ «شارل ديجول» وزعامة «عبدالناصر» وخبرة «مهاتير محمد»، إننا لا نتطلع إلى كاريزما «المهاتما غاندى» أو قيادة «نيلسون مانديلا»، إننا فقط نتطلع إلى الربان الماهر الذى يأخذ الوطن إلى شاطئ الأمان، نريده حاكمًا قويًا يؤمن بالعدالة الاجتماعية ويتقدم بمشروع متكامل لمواجهة أحوال المناطق العشوائية فى البلاد، ويضمد جراحات الوطن بعد سنوات من المعاناة والتهميش، نريده رئيسًا لكل المصريين، المسلمين والمسيحيين، للأغلبية وللمعارضة، للفقراء قبل الأغنياء، يكره الاستبداد ويقاوم الفساد، يقيم سياسة خارجية مصرية متوازنة، يؤمن عن يقين بدور مصر الحقيقى إقليميًا ودوليًا على نحو يعكس الحجم الطبيعى للدولة المصرية، رئيساً لا يتوهم أنه هو وحده الأذكى والأعلم والأحق، ولكنه يدرك أنه فقط «الأول بين متساوين»، رئيساً يستمع إلى نبض الشارع ويتحدث قليلاً ويعمل كثيراً، رئيساً لديه خيال خصب يسمح له برؤية ثرية تستشرف المستقبل وتستلهم الخطى نحوه، رئيساً عرف تاريخ بلاده جيداً ودرس مسيرة حكامه بما فيها من خطأ وصواب، رئيساً يعى الدرس جيداً من سابقيه، رئيساً يؤمن بالإنسان - رجلاً أو امرأة - يدفع الشباب ويرعى الطفولة، يحترم الأديان فى توازن ويسجد لله كل يوم حتى يتذكر أن هناك من هو أقوى وأعظم وأقدر، رئيساً لديه ثقافة أفقية تسمح له بأن يعرف شيئاً عن كل شىء بدلاً من أن يعرف كل شىء عن شىء واحد!
لكن السؤال الذى يفرض نفسه حاليًا هو: مَن من بين مرشحى الرئاسة الذين عرضوا أنفسهم على الشارع المصرى حتى الآن يمكن أن تنطبق عليه هذه الشروط؟ إننى لا أظن أنها موجودة لدى شخص واحد، بل أزعم أنها موزعة بين معظمهم، فمصر تحتاج إلى خبرة «عمرو موسى»، ونزاهة «محمد البرادعى»، وثقافة «محمد سليم العوا»، ووضوح «عبدالمنعم أبوالفتوح»، وهدوء «أحمد شفيق»، وتجربة «عمر سليمان»، وموضوعية «هشام البسطويسى»، وحكمة «منصور حسن»، وتاريخ «مجدى حتاتة»، وحرفية «كمال الجنزورى»، وجرأة «مرتضى منصور»، وعدالة «حمدين الصباحى»، وعلم «عبدالله الأشعل»، وكفاح «أيمن نور»، ونضال «مجدى حسين»، وتأثير «حازم أبوإسماعيل» وغيرهم كثر، إننى أظن أن «مصر» - التى تمر بأكثر لحظات تاريخها الحديث خطورة وصعوبة - تحتاج إلى نمطٍ جديد لديه من كل مرشح محتمل صفة، سواء من طرحت أسماءهم بغير ترتيب، أو من لم تعلن بعد.. إنها «مصر» أيها السادة ولنتذكر الآن ما جاء فى الذكر الحكيم على لسان فرعون (أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى)!
جريدة المصري اليوم
27 أكتوبر 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/52726