الشاب: أيها الشيخ العجوز لقد جعلنا لشهر رمضان هذا العام مذاقاً خاصاً عن سائر الأعوام، فهو رمضان التحرير والميدان، رمضان الثورة والصحوة الذى تحول بفضل شباب «مصر»- من كل الأطياف السياسية والانتماءات الدينية والفكرية- إلى شىءٍ مختلف لشعبٍ أصبح لا يخشى أحداً إلا الله فقد سقط حاجز الخوف وانهارت دولة الاستبداد والفساد.
الشيخ: إن ما تقوله يا بنى صحيح، ولكن دعنى أعبر لك عن قلقى المشروع فى هذه الظروف بالغة الحساسية من تاريخنا الوطنى شديدة التعقيد فى مسيرتنا السياسية، ولقد عبرت عن مخاوفى منذ أكثر من عقدٍ كامل حول معادلتين كانتا تتربصان بمستقبلنا، الأولى هى التزاوج بين السلطة والثروة، ومحصلتها المباشرة هى الفساد، والثانية هى التزاوج بين الدين والسياسة ومحصلتها غالباً هى التطرف، وظللت أطوف بالمنابر الفكرية والاجتماعية محذراً من ناتج المعادلتين معاً حتى جاءت «25 يناير» فأسقطت المعادلة الأولى ولكنها لم تتمكن من إيجاد حل مقبول للمعادلة الثانية.
الشاب: ويحك أيها الشيخ.. لماذا القلق من دور الدين فى حياتنا، أليست الأديان هى مجموعة من الفضائل ودعاوى الحق مع مواجهة الظلم ورفض القهر واحترام الإنسان خليفة الله على الأرض، إنه ليس لدينا مانع نحن الثوار من أن يكون هناك دور للدين فى المجتمع، أما دوره فى السياسة فتلك قضية أخرى، ثم إننى أقول لك صراحة حذار من المساس بعلاقة المصرى بدينه!
الشيخ: إننى أدرك أهمية الدين فى التاريخ المصرى منذ عصر الفرعون الإله حتى الآن وتجذره فى أعماق النفس المصرية على مر العصور حتى إن «الإسكندر الأكبر» عندما حاول أن يجد شرعية لغزوه لـ«مصر» اتجه إلى «معبد آمون» فى «سيوة» ليتوج ابناً للإله ويصل إلى قلوب المصريين، كما أقدم «نابليون بونابرت» على تصرفٍ مشابه عندما أصدر منشوره الشهير يتملق الإسلام ويشيد بنبيه الكريم حتى يصل هو الآخر إلى قلوب المصريين أيضاً بل إن «جمال عبد الناصر» بقامته القومية العالية حرص على أن يكون أول ظهورٍ علنى له بعد نكسة 1967 فى مناسبة دينية عامة، كما أن «ناصر» قد اختار منبر الأزهر الشريف ليحشد من فوقه الشعب المصرى وراءه غداة «العدوان الثلاثى» على «مصر» عام 1956، كذلك فإن الكنيسة القبطية أيضاً مؤسسة دينية ذات تاريخٍ عريق حافظت على طابعها المتفرد وشخصيتها الوطنية عبر العصور فلا يوجد لدى يا بنى التباس فى فهم تغلغل الرسالة الدينية فى جذور الشخصية المصرية ولكننى أصدقك القول بأن حشود الإسلاميين المليونية فى «ميدان التحرير» وبعض الممارسات فيها قد ضاعفت من قلقى وخوفى.
الشاب: إننى أجازف وأقول رداً على من اعتبروا المليونية السلفية استعراضاً للعضلات السياسية على الساحة إن ذلك قد يكون صحيحاً، ولكن الفيصل فى النهاية هو الاحتكام إلى صناديق الانتخاب، ويومها سوف نعرف الأحجام الحقيقية والأوزان الصحيحة للقوى السياسية المختلفة، فالديمقراطية الحقيقية هى المعيار الذى نحتكم إليه جميعاً ولا نملك عنه بديلاً، كما لا يجب أن تنسى أيها الشيخ العجوز أننا فى مرحلة تحول ثورى ومخاضٍ فكرى نرجو أن تنجم عنهما رؤية وطنية متوافق عليها وإرادة شعبية تأتى للحكم بمن يبدأ مسيرة إصلاحٍ جادة لا أن يبحث عن مصالحه الذاتية وأمجاده الشخصية.
الشيخ: فهمتك الآن يا بنى.. وقى الله الكنانة شر الفتن وجعلها بلداً آمناً مثلما عرفتها الدنيا على مر العصور، ولكننى أهمس فى أذنك إننى أريد أن أرى أننا قد تخلصنا من ديكتاتورية الاستبداد والفساد دون أن نستبدلها بديكتاتورية من نوع آخر حتى ولو جاءت تحت أقدس المسميات وأكثرها رسوخاً فى أعماق المصرى، إننا نريد دولة عصرية حديثة تقوم على المساواة فى المراكز القانونية والحقوق السياسية مع ضمانات العدالة الاجتماعية بين كل المصريين بغير استثناء، عندئذٍ سوف أقول لك «لقد أحسنتم صنعاً أيها الشباب، وأتحتم لجيلنا أن يرى قبل رحيله مشاهد غير مسبوقة فى تاريخنا كله!»
جريدة المصري اليوم
11 أغسطس 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/209855