الزمان: أيها المصريون لقد طال عليكم العصر، وبلغتم فى الأرض أقصى العمر، و«أبوالهول» يقف فوق الهضبة شاهداً على التاريخ، لو أنه نطق ذات يوم لحكى للبشرية قصة الحضارة منذ ميلادها فوق هذه الأرض الطيبة، ولكن اسمحوا لى أن أقول لكم إن الله قد أعطاكم الكثير من الأشياء مما لا تعرفون قيمته بل تقومون طواعيةً بإهداره، إننى لا أعرف شعباً على الأرض تراكمت على أرضه الديانات والثقافات وأيضاً الثروات مثل «مصر»، وأنتم فى حاجة حقيقية لأن تجلسوا جميعاً وتناقشوا رؤية المستقبل أمامكم وفقاً لإرادة لا يعلو عليها أحد.
المكان: إن عبقرية موقعكم الجغرافى التى عالجها العلامة الزاهد «د. جمال حمدان» يجب أن تكون هى «البوصلة» أمام تحركاتكم المستقبلية، إن بلدكم يقع فى قلب العالم وعلى بوابة الاتصال بين أفريقيا وآسيا مطلاً على بحرين مفتوحين، يجرى على أرضه النيل الذى تبدو دلتاه كاليدين الممتدتين ترحيباً بكل فكرٍ جديد أو عقلٍ وافد. إن عبقرية الموقع المصرى بخصائص الزمان والمكان والسكان يجب أن تجعل البشر سبيكة فريدة لا نظير لها على كوكب الأرض، ولكن أين أنتم من ذلك؟ إنكم تفرطون فيما تملكون، وتتقاعسون عما تستحقون! وتعيشون على الذكريات تجترون الماضى وتنهشون فى خصوصيات بعضكم البعض، ولا تتوجهون إلى قوافل العمل البنّاء لبلد عطشان للاستثمارات الخارجية والسياحة الأجنبية ومراكز البحث العلمى ومواقع التكنولوجيا العملاقة، يا أبناء «مصر»: العمل وحده هو الرصيد الذى تملكه الشعوب المتقدمة، إن «اليابان» و«سويسرا» من أفقر الدول فى الموارد الطبيعية، ولكن العقل وحده فى البلدين استطاع أن يصنع منهما ظاهرتين اقتصاديتين مبهرتين.
الزمان: إن مشكلتكم الحقيقية فى «مصر» أنه كما أنكم اشتغلتم بصناعة الحضارات فقد انفردتم أيضاً بصناعة «الطواغيت»، وخلقتم البيئة الحاضنة لثقافة الاستبداد والفساد فى وقت واحد، لا تعطوا حكامكم أكثر مما يستحقون، وتوقفوا عن النفاق الذى يصوّر لكل مسؤول مصرى أنه حالة خاصة، وأن الناس عقمت من بعد مولده! إننى أدعوكم إلى الدخول فى حياة العصر ومناخه الحر وبيئته الشفافة، فالحكم الرشيد ليس سلعة يمكن استيرادها ولكنه تركيبة محلية يمكن إنتاجها، إننى أدعوكم إلى نبذ خلافاتكم والتوقف عن تصنيف فئات شعبكم والاتجاه إلى التفكير الجاد فى المستقبل، يكفى أن تنظروا إلى أحزابكم السياسية فـ«الوفد» مرجعيته هى الفترة «الليبرالية» من 1919 إلى 1952، ورموزه أسماء كبيرة من طراز «سعد زغلول» و«مصطفى النحاس» و«فؤاد سراج الدين»، أما «حزب التجمع» فمرجعيته هى تراث «اليسار المصرى» وأدبياته المعروفة، أما «الحزب الناصرى» فإنه يستمد مشروعيته من التاريخ الحافل للزعيم «جمال عبدالناصر» بما له وما عليه، أما جماعة «الإخوان المسلمين» وحزبها الجديد فتاريخها متصل منذ النشأة عام 1928 برغم موجات الصعود والهبوط وفقاً للنظام السياسى القائم، وقس على ذلك معظم الأحزاب السياسية الحالية التى تستند إلى مرجعيات «ماضاوية» فأين المستقبل أيها المصريون؟! إنه يختفى فى زحام الجدل السفسطائى والكلام المرسل والعبارات الكبيرة والأفكار الصغيرة.
المكان: بما أننى عنصر الجغرافيا فإننى أذكركم بتاريخ «الاتحاد الأوروبى»، لقد شهدت فى مطلع سبعينيات القرن الماضى ذلك الجدل الموضوعى الذى كان محتدماً فى العاصمة البريطانية بين حزبى العمال والمحافظين حول انضمام المملكة المتحدة للسوق الأوروبية المشتركة، حينذاك كان الحديث كله عن المستقبل، ولم يكن الماضى إلا رصيداً للخبرة فقط ومعيناً على استشراف الرؤية، هذا هو القول الحق والتفكير السليم، أما الغوص فى مستنقعات الماضى دون الإبحار نحو شواطئ المستقبل فتلك خطيئة كبرى.. إنه لا يوجد إنسان عاش الزمان كله وعرف المكان كله، ولكن هناك إنسان يملك العقل الذى سادت به أمم وارتقت شعوب وازدهرت مجتمعات، فأين أنتم أيها المصريون؟
جريدة المصري اليوم
14 يوليو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/209131