■ السلفى: لقد جاء الوقت الذى يتحتم فيه تطبيق شريعة الله. إننا نريد الاحتكام إلى القرآن الكريم والسنة المؤكدة، فالإسلام دين ودنيا ولم يترك شاردة أو واردة إلا وتصدى لها وعالجها. إننا نؤمن بالعودة إلى فكر السلف الصالح، ونرفض الانحرافات الاجتماعية والبذاءات الأخلاقية، ونريد مجتمعاً يحترم شرع الله ولا ترتكب فيه المحرمات بل تنتشر فيه الصالحات.
■ العلمانى: ويحك أيها الشيخ! إن الإسلام الحنيف ليس جلباباً قصيراً ولا لحية طليقة أو شارباً حليقاً كما أنه ليس تحجيم السياحة الأجنبية وتعويق الاستثمارات الخارجية. إنه أعمق من ذلك وأكبر، فالإسلام فى حد ذاته ثورة اجتماعية تدعو إلى إعمال العقل وتحض على التفكير وتقبل ما تراه الأمة فى صالحها وفقاً لزمانها ومكانها، لذلك فإن ما تقول به- أيها الشيخ الجليل- هو حديث مظهرى لا يصل إلى جوهر الإسلام الذى يرفض العدوان على غير المسلم بغير حق ويحترم أهل الكتاب، ويُعلى من قدر المرأة ويعطيها ذمة مالية مستقلة، كما يؤكد حقها فى العمل والتعليم بل والحكم أيضاً، إنكم تختارون من النصوص الدينية ما تتصورون أنه يخدم أهدافكم ويؤكد آراءكم، وإذا كانت الشريعة ثابتة فإن الفقه متغير، لذلك فإنه يجعلها أحياناً «حمالة أوجه»، إننا نؤمن، باختصار، بأن كل ما يسعد الإنسان مقبول دينياً مادام لا يتعارض مع نص صريح فى القرآن الكريم أو السنة المؤكدة، فكل إنسانٍ حر ما لم يضر، كما أن الضوابط الدينية محكومة بفلسفة معينة وشروط محددة، وأريد أن أذكرك بأن الإسلام الحنيف الذى تحدث عن «الشورى»، يمكن أن يتحدث الآن عن الديمقراطية، وإذا كان قد تحدث عن «الحاكمية» فإنه يمكن أن يتحدث الآن عن «سلطة الشعب»، فالقياس مبدأ جوهرى عند محاولة فهم شريعة الإسلام.
■ السلفى: إن تعبير «العلمانية» كريه لدينا، مستهجن فى عرفنا، ونحن نؤمن بأن الله قد خلقنا لكى نعبده، ومكَّن لنا فى الكون لكى نعمره، ولم يفرض علينا حياة الغرب وتقاليده ولا فلسفة نظمه أو فكره السياسى، إن لدينا شريعة غنية وفقهاً ثرياً وأئمة عظامًا من أمثال «ابن تيمية» و«ابن حزم» وغيرهما من رموز فقهاء الدين فى تاريخنا الإسلامى كله، لذلك فنحن نكفِّر كثيراً من الممارسات التى يشهدها عصرنا وتعيشها أمتنا، و«مصر» بلد إسلامى قبل كل شىء، لذلك، لابد أن تكون تلك هى هويتها الأولى وشخصيتها التى لا جدال حولها.
■ العلمانى: مهلاً يا مولانا. وماذا عن غير المسلمين فى بلادنا وهم أشقاؤنا وأهلنا قبل دخول الإسلام إلى بلادنا؟! إنهم الآن متخوفون منكم قلقون على مستقبل أولادهم وأحفادهم، فى ظل ظهوركم الزائد واستعراضكم المستفز أحياناً لمشاعر الآخرين. إن «مصر» لنا ولهم ولكل مواطن ينتمى إلى هذه الأرض الطيبة، أما الدين الحنيف فعلاقة بين الفرد وخالقه ولا تتوهموا يا سيدى، أنكم وحدكم فى هذا العالم، ولا تغمضوا عيونكم عن الواقع حولكم، فالدنيا تجرى والعالم يتطور ونحن عبءٌ على حضارة العصر نستفيد من مخترعاته ونسعد بمقتنياته دون إسهام واضح فيه أو شراكة تكنولوجية معه ولا تنسى، يا شقيق الوطن، أننا مستوردون للغذاء والكساء والعلم والمعرفة، فالأجدى بنا أن نتجه نحو حياة عصرية، بدلاً من ترويع وتكفير الناس وزرع أسباب الخوف والقلق لدى الملايين من غير المسلمين والمسلمين أيضاً.
■ السلفى: هذه هرطقة دينية وزندقة تحاول ارتداء ثوب العصر والإطلال على الناس بشعارات الحرية والعدل والمساواة، وأنتم أبعد ما تكونون عن ذلك.
إننى أقول لك، بصراحة، إنه لا أمل فى المستقبل إلا بالاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه، لقد كنا مغلوبين على أمرنا مقهورين، رغم أنفنا لا نتعامل إلا مع «أمن الدولة»، ونختفى فى الزوايا والمساجد الصغيرة ولا تجرى الاستعانة بنا إلا لضرب جماعة «الإخوان المسلمين» وإحراجها سياسياً وإعلامياً، أما وقد زال ذلك كله فإننا نعبر عن أنفسنا بقوة كرد فعلٍ لسنوات الغياب الطويل، من هنا فنحن لا نشتبك مع الدولة سياسياً قدر اشتباكنا مع المجتمع فكرياً، كما أننا لسنا جزءاً من حركة سياسية بقدر ما نحن جزء من تيار دينى.
■ العلمانى: إننا نريد وطناً يعيش فيه الجميع بمساواة حقيقية وبلا تفرقة لا مبرر لها، ونحن نؤمن بأن «مصر» الأزهر الشريف والكنيسة المصرية العريقة- يجب أن تكون فى النهاية مناراً للاعتدال والوسطية ورمزاً للتآخى والانصهار، فى ظل مبدأ «المواطنة» الذى يعطينا جميعاً مراكز قانونية متساوية مهما كانت اختلافاتنا أو تعددت معتقداتنا، فالدين لله والوطن لكل المصريين.
جريدة المصري اليوم
30 يونيو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/208784