■ التونسى: إن سى «الحبيب بورقيبة» قد بدأ مسيرة التطور الاجتماعى والسياسى قبل غيره من حكام شمال أفريقيا والمشرق العربى، إنه أعطى المرأة حقوقها مبكراً وقنن الزواج والطلاق ووضع أسساً عصرية للدولة التونسية حتى أطاح به «بن على» فى 7 نوفمبر 1987، وأقام نظاماً بوليسياً حكم البلاد والعباد أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً إلى أن انتفض الشعب التونسى عندما أراد الحياة فاستجاب القدر، كما قال شاعرنا العظيم «أبوالقاسم الشابى»، وعندما رحل «بن على» وكنا قد هرمنا فى انتظار تلك اللحظة كان ميلاد الربيع العربى كله.
■ المصرى: أما نحن فقد تراكمت علينا مواريث الدهر كله، إننا شعب عجوز فى دولة قديمة صنعت الحضارات وامتصت الثقافات، واحتضنت الديانات، ولكنها عرفت أيضًا الطغاة والغزاة والبغاة، وعانت طويلاً حتى جثمت على صدرها فى الثلاثين عاماً التى سبقت ثورة 25 يناير 2011 سلطة مترهلة لم تستوعب روح العصر، وعاشت دائمًا على إنكار الحقائق والإيمان المطلق بأن كل شىء على ما يرام وليس فى الإمكان أبدع مما كان ورغم ظهور الحركات الاحتجاجية وتزايد الاعتصامات والاضطرابات فى السنوات الأخيرة فإن الرسالة لم تصل إلى أولى الأمر، ويجب أن أعترف لك أن ثورتكم فى «تونس» رائدة وأنها قد شجعتنا على اتخاذ القرار فى لحظة الصفر، ولقد كانت ظروفنا متشابهة، فالحكم بوليسى والقرار فردى واستنزاف الثروة يمضى مع حيازة السلطة فى اتجاه واحد. اليمنى: إننى أشعر باعتزازٍ خاص، لأننا نقف فى زمرة الثوار وفى أجواء الربيع العربى ولا تنسوا أننا منذ عقود قليلة كنا نعيش فى العصور الوسطى تحت حكم أسرة «حميد الدين» tولم يكن لنا وجود على خريطة العصر، وعندما نلحق بثوراتكم الآن فإننا نشعر بالزهو إذ إنه خلال عقودٍ قليلة أصبحنا نعيش فى قلب أحداث العالم ونتطلع إلى دولة عصرية مثل غيرنا، إن طول مدة الحكام على مقاعدهم يؤدى بالضرورة إلى عفونة النظم وانهيار شعبيتها وتراجع قدرتها على البناء والإصلاح، وعلى الرغم من أن «على عبد الله صالح» يمثل أطول فترة حكمٍ فى تاريخ «اليمن» منذ ثورة 1962 فإن ذلك لا يعكس حالة الاستقرار بقدر ما كان يعكس درجة الجمود فى الحياة السياسية اليمنية، ورغم «الديكور» الديمقراطى ومظاهر سيطرة النظام فإن داخله كان أجوف بكل المعايير، هشاً بكل المعانى وأصابته «عقدة التوريث» مثل تلك التى أصابت النظام المصرى قبل الثورة، ولا تنسوا أن وضع «اليمن» خاص للغاية، ففيها القبائل والعشائر والأحزاب والجماعات، فضلاً عما يجرى الحديث عنه من نشاطٍ لتنظيم «القاعدة»، بالإضافة إلى مشكلات الوحدة بين الجنوب والشمال، كما أن كل يمنى تقريباً يحمل سلاحه فى كل مكان.. إن الربيع العربى قد زارنا فى أوانه تماماً.
■ السورى: إن وضعنا مختلف، لأننا دولة ولدت فيها الحركة القومية وانتشرت منها نداءات الوحدة العربية، وكانت مواقفنا المعلنة مستجيبة لمشاعر الشارع العربى غالبًا، ولكن ربما كان لغياب الحريات والتضييق على حركة الرأى العام وضعف عملية التنفس السياسى أثرها السلبى، حيث كانت بمثابة العوامل التى أدت إلى ما نحن عليه، كما أننا بلد مستهدف تلعب فيه الأصابع الأجنبية دوراً محسوساً كما أن جيراننا الثلاثة غير العرب «إيران» و«تركيا» و«إسرائيل» لكل منهم مشاربه ومآربه تجاهنا، وإن تفاوتت درجات مواقف كل منها بين التأييد والقبول والرفض، إننا نعيش فى ظروفٍ معقدة بمنطق الجغرافيا والتاريخ معًا، وشعبنا رائدٌ فى عروبته متعصب فى قوميته، وحين يزورنا الربيع العربى فإننا نتطلع إلى دورٍ لا يستبعد الثوابت القومية ولا يخرج بنا من الدائرة العربية ثم إن أى تغيير كبير لدينا سوف تكون له بالضرورة آثاره الضخمة على المشرق العربى كله بل مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى برمته.
■ الليبى: إننا نعيش تحت حكم «معمر القذافى» منذ ما يزيد على أربعين عاماً خضنا وراءه المغامرات السياسية والنزوات العسكرية ودفعنا ثمناً غالياً على امتداد العقود الأخيرة حتى هبت علينا رياح التغيير ونسمات الحرية، خصوصاً أننا نعيش جغرافياً بين ثورتين التونسية والمصرية وتاريخياً بين عصرين النظام السلطوى الذى يبدو فريداً فى نوعه والمستقبل التحررى الذى نتطلع إليه، المهم فى النهاية هو الحفاظ على وحدة الأراضى الليبية وسلامة شعبها العربى الأفريقى حتى يكون الربيع العربى بحق مليئاً بأزهار الحرية حافلاً بورود الديمقراطية مورقاً بأشجار العدل الاجتماعى واحترام حق الإنسان فى ثروته وسلامة أسرته مهما كانت الظروف والتحديات.
جريدة المصري اليوم
23 يونيو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/208598