الشعب: إن «الدستور» هو أب القوانين، وهو بمثابة «النوتة» الموسيقية للعازفين، فلا يمكن أن يأتى «المايسترو» قبل استكمال «النوتة»، ولا يمكن أن يأتى أيضًا قبل اختيار الفرقة الموسيقية بالكامل، لهذا فإننى أرى أن البداية يجب أن تكون بوضع دستورٍ دائم يتوافق عليه الشعب ويتراضى حوله الجميع، ثم تأتى الانتخابات البرلمانية، وبعدها الرئاسية. هذا هو المنطق الطبيعى فى النظم السياسية المعاصرة.
الفرعون: إن «مصر» يحكمها دائماً «فرعون» منذ الدولة القديمة حتى الآن وإذا كنتم تريدون مواصلة الطريق، فإن عليكم بـ«النظام الرئاسى»، لأنكم تعودتم على «الفرعون» والمصرى لا يشعر بهيبة الدولة إلا من خلال طاغية يجلس على مقعده فوق القمة، إنها «مصر» التى حكمها من اعتبروا أنفسهم أنصاف آلهة وعاثوا فى الأرض فساداً، لأنها أكثر دول العالم ثروة وبركة! ألم يتم استنزاف مقدراتها وتجريف مواردها لأكثر من سبعة آلاف عامٍ، وهى لا تزال صامدة كما هى أو كما قال عنها «المتنبى» «وما فنت العناقيد»!
الشعب: أيها «الفرعون» لقد سئمنا الطغاة والغزاة والبغاة وسقط حاجز الخوف لدينا وأصبحنا نتطلع إلى رئيسٍ يملك ولا يحكم ويبدو رمزاً قومياً بلا صلاحيات واسعة، وفى المقابل يكون هناك رئيس وزراء يمثل الحزب الفائز فى الانتخابات أو ائتلاف من حزبين أو أكثر تتشكل منهم الحكومة، ويكون رئيسها مسؤولاً أمام البرلمان، بحكم أنه منتخب من الشعب ليرأس السلطة التنفيذية ويصبح المسؤول الأول فى البلاد عملياً، بينما رئيس الدولة هو الأول بروتوكولياً فقط.
الفرعون: ومن قال إن «النظام البرلمانى» يصلح لكم.. أنتم لستم «الهند» ولا «بريطانيا» ولا «ألمانيا» ولا «النمسا» ولا «اليابان» ولا حتى «تركيا» أو «إسرائيل»، لقد تعودتم على الحاكم الفرد وتوسيع دائرة المشاركة السياسية قد تدفع بكم إلى الخلط بين الحرية والفوضى، كما أن «النظام الرئاسى» هو الذى يكفل لكم تحقيق معدلات نمو اقتصادى أسرع وأفضل، إن «النظام البرلمانى» يخدم الديمقراطية أكثر، بينما يخدم «النظام الرئاسى» التنمية أكثر، وأنتم تحتاجون إلى إشباع الأفواه الجائعة قبل أن تهتموا بالعقول الفارغة أو الضمائر الميتة.
الشعب: ويحك أيها المستبد، إنك قد اعترفت بوجود ضمائر ميتة وعقولٍ فارغة بسبب الديكتاتوريات التى تعاقبت علينا، والقهر الذى مارسه أمثالك على هذا الشعب العريق، ثم إننى أريد أن أقول لك فى وضوح كامل (إن الاستبداد هو الأب الشرعى للفساد).
الفرعون: ما المزايا التى سوف تعود عليكم من نظامٍ برلمانى أو حتى رئاسى، فى ظل الأمية المزمنة والفقر المتوطن والفساد المتأصل، إننى لو كنت مكانكم لقبلت حكم أى مستبدٍ عادل للخروج من عنق الزجاجة.
الشعب: إن فكرة المستبد العادل حقٌ يراد به باطل، وهى أقرب إلى الوهم منها إلى الحلم، ففى وجود الاستبداد لا أمل فى إصلاح البلاد ولا إسعاد العباد، ثم إنك أيها «الفرعون» تحاول أن تزرع فى نفوسنا بذور اليأس، فهناك تجارب إنسانية كثيرة عرفت الأمية والفقر والفساد ولكنها قهرتها جميعاً بإرادة الشعب إذا أراد الحياة، ونريدك أن تعلم أن تفتيت «الفرعونية» هو واحد من أسباب تعلقنا بالدولة البرلمانية، رغم أنها قد لا تكون عملياً أسهل فى التطبيق، خصوصًا فى ظل ظروفنا الحالية من «النظام الرئاسى» أو«النظام المختلط»، وفقاً للنموذج الفرنسى الذى زعم حكامنا السابقون أنهم متحمسون له، وأريد أن أذكرك أيها الطاغية أن القضية ليست اختيار النظام الأمثل أو النظرية الأفضل، لكنها قبل ذلك هى الالتزام الأمين والجاد بالمضى فى طريقٍ معين، وفقاً لرؤية واضحة لا تتوقف فى الطريق ولا تتعثر أمام أول عقبة.
الفرعون: هذه ثرثرة شعوبٍ فارغة، فـ«مصر» دولة قديمة تقوم على مركزية توزيع مياه النهر ووجود رمزٍ قوى يخضع له الجميع إذ ليست لديكم فلسفة الهنود العميقة ولا جدية اليابانيين المشهودة ولا حتى فهم الأتراك للتوازن بين الدين والدنيا، أنتم شعبٌ يتحدث كثيراً ويعمل قليلاً، قولوا لى إذاً لماذا تريدون النظام البرلمانى ويتحمس كثير من المثقفين المصريين له؟!
الشعب: من الصعب إقناعك أيها «الفرعون»، لأنك تعودت على الرأى الواحد والقرار المستبد، دعنى أذكرك بأن «النظام البرلمانى» يكفل التوازن بين السلطات، ويجعل «الرئيس الرمز» حكماً بينها، كما أنه يؤدى بالضرورة إلى تقوية النظام الحزبى وتدعيم التمثيل البرلمانى، فضلاً عما يؤدى إليه من تداول للسلطة ودوران للنخب كذلك فإنه يكفل التوازن العادل بين الأجيال، إذ يمكن أن يكون رئيس الدولة رجل قضاءٍ سابقاً أو دبلوماسيا مخضرما أو عالما مرموقا أو ضابطا أدى خدماتٍ جليلة لوطنه، بينما يكون رئيس الوزراء أقرب إلى جيل الشباب الذين يتمرسون فى الشارع السياسى ويحوزون ثقة الجماهير ويتميزون بالكفاءة والطهارة معاً، انظر إلى دولة الهند العظيمة التى جاءت بأسماء من الأقلية مثل «ذاكر حسين» و«فخر الدين على أحمد» و«عبدالكلام زين العابدين» كرؤساءٍ مسلمين لدولة هندوكية كبرى، ألم يكن ممكناً فى بلادنا أن تأتى أسماء مثل «خالد محيى الدين» و«بطرس بطرس غالى» و«عبدالعزيز حجازى» و«أحمد عصمت عبدالمجيد» و«أحمد كمال أبوالمجد» أطال الله فى أعمارهم كرموز وطنية تتبوأ سُدة الرئاسة فى دولة برلمانية محترمة هى الأكبر فى الشرق الأوسط كله؟ الفرعون: لا فائدة من الحديث معكم.. يبدو أن الشمس قد غربت، وأن الصولجان قد سقط وأن الماضى لن يعود!
الشعب: لقد حسمت ثورة 25 يناير أشياءٍ كثيرة، لكننا فى مفترق الطرق ونحتاج إلى يقظةٍ كاملة، ولا بد أن نتلمس خطانا وأن نفتح عيوننا وأن نطهر قلوبنا حتى نرى المستقبل الذى لا تبدو ملامحه واضحة فى الأفق القريب!
جريدة المصري اليوم
9 يونيو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/208212