يتحدث كثير من المثقفين بل عامة الناس عن مستقبل الحياة الحزبية فى «مصر» وعندما تلتقى مجموعة منهم يتحاورون حول إنشاء حزب جديد، فلقد أصبحت الحياة السياسية مصدرًا للاهتمام ومبعثًا للرغبة لدى قطاعات عريضة من الشعب لم تكن تفكر من قبل فى اقتحام ميدان الحياة السياسية ولا الحياة العامة أيضًا، ولكن ثورة 25يناير 2011 قد كسرت لديهم حاجز الخوف وأعطت أملاً جديداً وفتحت أبواب المستقبل أمام المصريين بشكل غير مسبوق فى تاريخهم الحديث، وتلك ظاهرة تبشر بالخير، فقد كنا نعانى دائمًا من السلبية السياسية للمواطن المصرى والعزوف المستمر عن الاهتمام بالحياة العامة واللامبالاة تجاه ما يدور حوله، ولكن يبدو أن الدماء الطاهرة لشهداء الثورة المصرية الأخيرة قد حرّكت لدى رجل الشارع إحساسًا مختلفاً، فقد اكتشف أنه لن يكون مهمشًا بعد الآن إذ وضعته الثورة الشعبية فى بؤرة الأحداث الإقليمية والدولية وجعلته يشعر بالحجم الحقيقى لدوره ويستعيد فى أعماقه مكانة بلده، لذلك أقبل المصريون والمصريات خصوصًا الشباب منهم على العمل الوطنى والدور السياسى بصورة تدعو إلى الأمل فى المستقبل والإحساس بأن دماء الذين رحلوا عنَّا أو أصيبوا منّا لم تضع هباءً، كما أن الذين فقدوا «البصر» فى تلك الأحداث قد أعطوا الوطن «بصيرة» المستقبل، ولعلى أقرر حقيقة عندما أقول إننى أتلقى يوميًا عشرات الاتصالات ممن يطلبون الانضمام إلى حزب جديد يطرح رؤية واضحة للمستقبل ويمثل إرادة صادقة للوطن، ولقد فكرت مع مجموعة من رفاق العمر كان يتقدمهم «أ.منير فخرى عبدالنور» قبل أن يصبح وزيرًا من أجل الدعوة المشتركة لما اقترحت أنا تسميته «الجبهة الوطنية للدولة المدنية»، لأننى أرى أن اسم هذا التجمع السياسى يحمل فى حد ذاته مضمونًا يحدد المشروع الوطنى الذى نسعى إليه والتصور الذى نتطلع نحوه، وفى ظنى أن الدعوة إلى إنشاء مثل هذه الجبهة تأتى فى وقتها تمامًا لتجسد إرادة المصريين وتحتوى «الأغلبية الصامتة» منهم وتحرك تيارًا عامًا لقوى المجتمع المدنى بديلاً للمياه الراكدة التى غرقنا فيها عبر العقود الماضية، إننى أدعو إلى خروج المصريين جميعًا فى طوابير الاستفتاء أو صناديق الانتخاب لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتعبير عن الإرادة الحقيقية للشعب المصرى وقطع الطريق على من احترفوا الفوز فى الانتخابات، من خلال الالتزام المطلق لفكر جماعات منظمة دون الوعى بتطور الوطن أو حركة التاريخ، ويهمنى أن أسجل هنا بحياد وموضوعية أن «جماعة الإخوان المسلمين» التى أختلف مع فكرها ولكنى أؤيد حقها فى الممارسة المشروعة لدورها السياسى فى إطار الشرعية الحزبية دون قيدٍ أو شرط ولقد كان هذا رأيى دائمًا الأمس واليوم وغدًا ولم أغيِّر جلدى تجاههم رغم ما عانيته منهم من استهداف بعد انتخابات عام 2005، ولقد شاركت فى تشييع جنازة المرشد العام الراحل «مأمون الهضيبى» لأننى أتعامل مع القوى الفكرية والسياسية من منطلق أخلاقى لا يخضع لحسابات أخرى، لذلك زرت المستشار «هشام بسطويسى» أثناء مرضه عندما كان يخوض معركة ضارية من أجل استقلال القضاء وكرامته وكنت أنا أيضاً الذى رفض الذهاب إلى إسرائيل عام 2004 برغم كل الضغوط التى مورست علىّ ولكننى التزمت بمبادئ لا أحيد عنها ودفعت الثمن دائماً فى وقته، ولذلك مازلت أحتفظ بعلاقات طيبة بل وودية مع بعض رموز «جماعة الإخوان المسلمين» التى كنت أستنكر دائماً إضافة كلمة «المحظورة» أو «المنحلة» لها إيماناً منى بأن الواقعية السياسية هى السند الوحيد للشرعية وأن الشارع هو الحكم فى النهاية.
ومازلت أعتز بأسماء أصدقاءٍ منهم السادة «محمد مهدى عاكف» الذى سعدت بالتواصل معه هاتفياً أكثر من مرة أثناء ثورة «ميدان التحرير» و«سيف الإسلام البنا» و«د.عصام العريان» و«د.محمد مرسى» و«محمد عبدالقدوس» و«د.سعد الكتاتنى» و«حسين إبراهيم» و«د.إبراهيم الجعفرى» و«عبدالله المسيرى» وغيرهم وغيرهم، أما «د.عبدالمنعم أبوالفتوح» فلقد سعدت كثيراً بدعوته لى لحضور عقد قران ابنته منذ عدة شهور وإن لم تمكنى الظروف من الحضور حيث كنت خارج «القاهرة» وأحمل لذلك الرجل احتراماً فى كل مواقفه إذ إننى أكرر دائمًا مقولة «الإمام الشافعى» إن «رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب» ومقولة «فولتير»– فى الثقافة الغربية التى تقابل مقولة الإمام فى الثقافة الإسلامية- إذ يقول «إننى مستعد لأن أدفع حياتى ثمنًا للدفاع عن رأى أختلف معه»، لقد كررت هاتين العبارتين عشرات المرات فى السنوات الأخيرة، ذلك أننى مؤمن تمامًا بليبرالية الفكر والبعد عن التعصب وأرفض الهوس بالرأى الواحد وأستنكر عشق الذات لأنه لا يصح فى النهاية إلا الصحيح، إننى أقول ذلك الآن لا استثمارًا لموقف ولا ادعاءً لدور ولا رغبةً فى أجندة خاصة وإنما أقوله إيمانًا منى بأن هذا الوطن يحتاج إلى فكر الجميع وجهد الكل واجتهادات أفضل أبنائه ورؤية من يستطيعون أن يستشرفوا المستقبل بعين الحاضر ويملكون الإرادة للوصول إلى غد أفضل، فيه حد أدنى من الفقر وحد أقصى من العدالة الاجتماعية، فيه حد أدنى من التسيب وحد أقصى من التماسك، مجتمع يسعد فيه الأغنياء حين يرضى الفقراء، مجتمع ليس فيه معذبون فى الأرض ولا مقهورون من البشر.
جريدة المصري اليوم
10 مارس 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/203801