هو ذلك الصحفى اللبنانى ذائع الصيت، الذى ينتمى إلى واحد من البيوت المسيحية العريقة فى «لبنان»، كان رئيساً لتحرير «الحياة اللندنية» لعدة سنوات، كما شغل وهو صغير السن فى سبعينيات القرن الماضى رئاسة تحرير صحيفة «ستار نيوز» التى تصدر بالإنجليزية، وقد عاصر أحداثاً مهمة فى تاريخ المنطقة وعاش فى كواليس القرار السياسى، وارتاد أروقة الحكام والتقى الملوك والرؤساء فى معظم الدول العربية والأجنبية إلى أن استقر به المقام فى «لندن» متابعاً لأحداث «الشرق الأوسط» كاشفاً لمؤامرات وألاعيب الدولة العبرية «إسرائيل» التى يحمل لقادتها قدراً كبيراً من التوجس وعدم الثقة حيث أثبتت الأيام دائماً صحة توقعاته، ولا أظن أن كاتباً مسيحياً معاصراً يفهم الإسلام الصحيح ويلم بشريعته وتعاليمه مثل «جهاد الخازن» الذى عرف ذلك عن دراسة ووعى وألم به فى تجرد وموضوعية يفتقدها الكثيرون ولا شك أن فهمه للإسلام وتعمقه فى دراسته قد أتاح له أن يفهم معطيات الصراع فى المنطقة وأسبابه وخفاياه، ولا نكاد نعرف على الساحة الصحفية بين من يكتبون بالعربية إلا «جهاد الخازن» فى صحيفة «الحياة» و«سمير عطا الله» فى صحيفة «الشرق الأوسط» حيث يعرف كل منهما «مصر» جيداً ويتحدث عن شعبها بأمانة وتقدير فى نبرة لا تخلو من التعاطف والمحبة، ولقد عرفت «جهاد الخازن» عن قرب فى السنوات العشر الأخيرة من خلال عملنا التطوعى المشترك فى «مؤسسة الفكر العربي» التى أقامها وترأسها الأمير «خالد الفيصل» حتى امتدت مؤتمراتها بين العواصم العربية المختلفة بدءاً من «القاهرة» وصولاً إلى «بيروت» مقر أمانتها العامة مروراً بعدد من الدول العربية التى نشط أبناؤها فى تلك المؤسسة الثقافية القومية.
ولا شك أن قلم «جهاد الخازن» متميز إلى الحد الذى يستطيع معه القارئ أن يكتشف أسلوبه الفريد حتى ولو كان بغير توقيع فهو ينفرد بقدرة فائقة على التحليل وإعادة الأمور إلى أصولها والبحث فيما وراء الخبر مع إعداد جيد لمقاله فليس فى لغته تعبيرات مرسلة أو عبارات إنشائية بلا معنى لأن وراء كل سطرٍ من سطوره جهداً فى البحث والتنقيب والمعرفة كما لا تخلو عباراته من روح السخرية أحياناً والتى تضيف لفائدة قراءة ما يكتب متعة تذوق أسلوبه الفريد، وما أكثر ما التقيت «جهاد الخازن» فى «القاهرة» و«لندن» و«بيروت» و«جدة» وكان هو دائماً ذلك الصحفى الكبير الذى يتحدث مع كبار المسؤولين مهما علا شأنهم فى ندية واتزان يثيران الإعجاب والاحترام إلى جانب أنه من الخبراء المعدودين فى فهم الحالة المصرية مع إدراكٍ كامل لكافة التوازنات فى المنطقة رغم اختلاف النظم والمكونات.
إن «جهاد الخازن» فهم العقليتين العربية والغربية بدرجة متميزة واطلع على الثقافتين «الإسلامية» و«المسيحية» وحضارات الشرق والغرب فأصبح لديه رصيدٌ ضخم من المعرفة لأنه قرأ أكثر مما كتب واطلع على أمورٍ أكثر مما قال فيها أو تحدث عنها وعندما يأتى إلى «القاهرة» يتهافت عليه المثقفون والكتاب ويحتفى به السياسيون والصحفيون والإعلاميون على حدٍ سواء، وأنا أتحدى من يبدأ قراءة عموده فى الصفحة الأخيرة من صحيفة «الحياة» دون أن يكمله أو من يستمع إلى حديثٍ له دون أن يخرج منه بجديد فكل جديد يقوله صحيح وكل صحيحٍ يتبناه يبدو جديداً!
فـ«لجهاد الخازن» قدرة واضحة على استشراف المستقبل وتنسم رياحه وتتبع خطاه لذلك ظل اسمه دائماً متألقا لامعاً وويل لمن ينتقده «جهاد الخازن» حتى ولو كان حاكماً سلطوياً قوياً فهو قادر على اختراق النظم المستبدة والديكتاتوريات المعاصرة، لذلك عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة «الحياة»– وهى من أكثر الصحف العربية رصانة ومصداقية والتى أشرف بالكتابة فيها بانتظام على امتداد السنوات الخمس عشرة الأخيرة– كنا نضيف إلى مقولة الشاعر العربى الكبير لكى تصبح: إن الحياة عقيدة وجهاد «الخازن».
جريدة المصري اليوم
27 يناير 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/51449