بعد أن هدأت نسبيا الأحداث الساخنة التي صاحبت زلزال 25 يناير 2011 بدأ المصريون في تأمل المشهد السياسي وتفاصيله المختلفة ووقف الجميع أمام قوة سياسية جديدة تحت اسم السلفيين وتساءل الناس من هم؟ وأين كانوا؟ ولماذا لم يكن لهم دور في الماضي؟
واقع الأمر أن السلفيين موجودون منذ عهد بعيد، ولقد كنا نسمع عن جمعية أنصار السنة المحمدية أوالجمعية الشرعية وغيرهما من الجمعيات التي تضم أولئك الذين يأخذون بطريق السلف الصالح وينقلون عن سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتتدخل أفكارهم في المعاملات اليومية والعلاقات الإنسانية، ويتخذ معظمهم من اللحية شعارا وينظرون نظرة نقدية حادة للانحرافات والخطايا والبذاءات ويؤمنون أن من حقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس لهم باع طويل في الحياة السياسية، كما لم يكن لهم اهتمام بالحكم فهم يؤمنون بقوله تعالي:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وتردد بعض دوائر الأمن المصرية السابقة ـ صدقا أو افتراء ـ إنهم كانوا يوظفون مجموعات من العناصر السلفية لتعقب نشاط جماعة الإخوان المسلمين وإحداث توازن بين قوي التيار الإسلامي المختلف، أما الصوفية فهي نوع من الطرح الروحي في عشق الله وذكر اسمه والتسبيح له، والمتصوفة جماعات قديمة يرجع تاريخها إلي مئات السنين بل ظهر بعضها مع العصر الأموي وفي صدر الدولة العباسية ونشطت حركتهم الروحية في ظل حكم المماليك والدولة العثمانية وظل اسم جلال الدين الرومي علامة فارقة في فلسفة التصوف ودراساته العميقة، وانتشرت الطرق الصوفية من غرب إفريقيا في السنغال إلي حوض النيل في السودان وتأصلت جذورها في شمال الوادي مصر، ولعلنا نتذكر الآن أن عالمين فاضلين من شيوخ الأزهر الشريف في العقود الأخيرة ينتميان إلي المدرسة الصوفية رغم أنهما درسا في فرنسا وأعني بهما الإمام الراحل د.عبد الحليم محمود وشيخ الأزهر الحالي ـ واسع الأفق مستنير الرؤية ـ د.أحمد الطيب، وهنا نسوق بعض الملاحظات:
أولا: إن الصوفية منهج روحي ذاتي لا يتجاوز صاحبه في الغالب لذلك فإن مواقفه من قضايا الإيمان والدعوة والاشتباك مع المجتمع حوله هي سلبية الطابع لأن صاحبها مستغرق في حب ذات الله وهو في حالة وجد صوفي أقرب إلي العشق الإلهي كما أنه يعبر عن ذلك بالأذكار الجماعية والابتهالات الخالصة لوجه الله تعالي، وبخلاف الصوفي يكون السلفي مشتبكا مع مجتمعه مقتحما لحياة غيره مؤمنا أن تطبيق الشريعة الإسلامية هي رسالته وغايته في آن معا، إنه يري لدوره الإسلامي ما يمكن أن يتجاوز أحيانا الدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة فهو لا يتقوقع في حالة عشق إلهي أو وجد صوفي ولكنه يخرج علي الناس مطالبا باتباع نهج السلف الصالح والسعي الحثيث لتطبيق الشريعة الإسلامية منهجا فكريا وأسلوب حياة، متبعا في ذلك طرقا عديدة ليس أقلها التظاهر والاعتصام والاحتجاج أحيانا علي تصرفات شرائح اجتماعية قد لا يكون له فيها رصيد كبير خصوصا في مسائل الأحوال الشخصية والحريات الخاصة.
ثانيا: هناك خلط شديد لدي العامة بين الإخوان والسلفيين علي نحو يضع جماعة الإخوان المسلمين أحيانا في موضع انتقاد لا يجب أن يوجه لهم! فالدعوة السلفية هي دينية ثمانين بالمائة وسياسية عشرين بالمائة بينما فكر الإخوان المسلمين سياسي ثمانين بالمائة وديني في الباقي، كما أن خبرات الجماعة ذات الرصيد الطويل تتجاوز الحركة السلفية بكثير وتشتبك مع العالم الخارجي وتبدو طرفا فاعلا في العلاقات الإقليمية المعاصرة بل وتفرض نفسها علي سياسات القوي الكبري بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن انتشار الدعوة السلفية لا يحظي بذلك الطابع العالمي الذي حظي به فكر الجماعة تاريخيا وليس لها تنظيم دولي وإذا كان وجودها يتركز في مصر ومنطقة الخليج وبعض أجزاء لبنان والأردن فإنها لا توجد بنفس الدرجة في الشمال الإفريقي المسلم إذ لم تواجه الثورة التونسية ـ علي حد تعبير الرئيس منصف المرزوقي في حديث تليفزيوني بالقاهرة ـ مشكلة مع قوي سلفية تذكر، بينما الأمر يختلف بالنسبة للثورة المصرية، ونحن لا ننسي التظاهرة الضخمة من حي الدقي في الجيزة إلي حي مصر الجديدة في القاهرة خلال موكب سلفي طويل يوم تقديم أوراق ترشيح السيد حازم صلاح أبو إسماعيل لمنصب رئيس الجمهورية.
ثالثا: إن هناك من يري أن السلفية والصوفية يقفان علي طرفي نقيض والأمر ليس كذلك علي إطلاقه فالأرضية الإسلامية مشتركة ولكن منهج التفكير مختلف وأسلوب الحياة أيضا علي نحو يدعو إلي التأمل، فالرايات الصوفية التي تخرج في المناسبات الدينية هي فلكلورية الطابع، بينما التجمعات السلفية في المناسبات السياسية هي دعوية الاتجاه، فالفارق بينهما واضح بجلاء ولكننا لا نتصور أن أحدهما يناصب الآخر العداء، والعقل المصري ـ بالمناسبة ـ يخلط بين الإخواني والسلفي والصوفي ويري في مجموعهم توجها إسلاميا يختلط فيه الأمر علي كثير من الناس، لذلك فنحن نري يوميا صورا من التداخل بين الاتجاهات المختلفة داخل التيار الديني، لذلك نعاني حاليا حالة عامة تجاه التساؤل القلق من موقف التيار الإسلامي في الحكم ومستقبل دوره في هذا الشأن بعد وصول أول رئيس مدني للبلاد من ذلك التيار بعد انتخابات رئاسية حرة ونزيهة إلي حد كبير.
.. هذه قراءة عادلة في ملف شديد الأهمية لا يقف عند حدود المقارنة بين الصوفية والسلفية ولكنه يمضي أكثر من ذلك ليستشرف مستقبل الأمة المصرية.
جريدة الاهرام
23 يوليو 2012
http://www.ahram.org.eg/Archive/969/2012/7/23/4/162121.aspx