شاعت في الآونة الأخيرة أحاديث متواترة ولغط طاف بأرجاء مصر خلال الشهور الماضية تركز في معظمه حول علاقات وثيقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة في جانب وبين الإدارة الأمريكية الحالية في جانب آخر.
وواقع الأمر أن ذلك الحديث وذلك اللغط لا يخلوان من مبالغة واستطراد وتزيد، ولقد كنت شخصيا شاهدا علي حوار البرلمانيين الأمريكيين مع البرلمانيين المصريين من جماعة الإخوان في عصر الرئيس السابق وأشهد أن الأمريكيين كانوا شديدي الحرص علي مثل ذلك الحوار بل ويسعون إليه وقد قلت دائما في ذلك الوقت إنهم يراهنون علي الجواد الإسلامي الذي قد يكسب السباق في السنوات القادمة، ولكي أكون أمينا فإن تركيز جماعة الإخوان المسلمين في تلك الحوارات قد تمحور حول قضيتين أساسيتين الأولي هي الظلم الواقع عليهم والمطاردة الدائمة لنشاطهم السياسي وحرمانهم من تكافؤ الفرص في العمل الوطني العام، والثانية هي القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الإسلامية الأولي التي يجب أن تجد حلا عادلا يتجاوب مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويضيفون الي ذلك تأييدهم للتوجه السياسي لحركة حماس تحديدا وتعاطفهم الشديد مع أهل غزة في الحصار الإسرائيلي الغاشم المضروب عليهم، ولقد جرت مياه كثيرة تحت الجسور السياسية منذ ذلك الحين وأصبحنا أمام مشهد مختلف بعد ثورة 25 يناير 2011 إذ دخلت جماعة الإخوان المسلمين إلي المسرح السياسي بقوة واندفاع وعلانية لم تعرفهم منذ سنة التأسيس عام 1928 وانتهي بهم المطاف إلي الوصول لسدة الحكم بحيازة الأغلبية المدعومة بالجماعات السلفية في أول برلمان بعد الثورة ثم وصول الرئيس الدكتور مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة السابق إلي المنصب الأول في البلاد، وقد ترددت أحاديث كثيرة حول اتصالات شبه سرية بين بعض قيادات الإخوان والدوائر المعنية في واشنطن بعد الثورة المصرية، وكان الهدف من اللقاءات هو تجديد روح التعاون بين الطرفين والتنسيق فيما بينهما، وفي ظني أن المطالب الأمريكية من الجماعة التي انتقلت من سياسة الشارع إلي حكم القصر تتلخص في عدد من البنود أهمها المساعدة من جانب الإخوان في تقليم أظافر الجماعات الدينية المتطرفة التي تمارس ما يسميه الأمريكيون بالإرهاب مع الإشارة في ذلك تحديدا إلي ما يجري في شبه جزيرة سيناء والبند الثاني يدور حول إمكانية تأثير الجماعة علي حركة حماس الفلسطينية لكي تكون أكثر اعتدالا وقبولا بشروط التسوية مع الدولة العبرية بكل خصائصها العنصرية والعدوانية والتوسعية خصوصا وان حركة حماس هي حركة مقاومة اسلامية تكاد تكون جناحا عسكريا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين فضلا عن أنها الفصيل الذي يملك الشعبية الأكبر في غزة وربما في عموم الأرض الفلسطينية أيضا، أما البند الثالث فيدور حول قدرة جماعة الإخوان المسلمين علي حفظ الأمن والاستقرار في الدولة المصرية وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي تمون عليها الحركة الإسلامية الأم وهي جماعة الإخوان، المسلمين أما البند الرابع والأخير فهو أن تمثل الجماعة في امتدادها في المشرق العربي ومنطقة الخليج حائط سد أمام امتداد الهلال الشيعي القادم من إيران مع فتح جبهة للمواجهة السنية الشيعية ولست أزعم أن جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها الإسلامية الوطنية سوف تقبل بكل هذه الأدوار التي تحتويها المطالب الأمريكية بل إنني أزعم أيضا أن الجماعة التي أنشأها الأمام الشهيد حسن البنا لا يمكن أن تنزلق إلي مستنقع السيطرة الأمريكية علي سياساتها وتوجهاتها والتي قد يتعارض بعضها مع مبادئ الجماعة والإطار الإسلامي لحركتها السياسية، ولنتذكر أن الإخوان المسلمين كانوا هم طلائع حركة الفدائيين في الحرب الفلسطينية العربية الأولي عام 1948، ولذلك فإنني أظن ودون تجاوز أو افتراء أن واشنطن سوف تكتشف عاجلا أو أجلا أن تاريخ جماعة الإخوان لن يسمح لها بتلبية المطالب الأمريكية، وأنها سوف تقف عند حدود معينة لا تتجاوزها مهما كان الثمن لأن تلبية هذه المطالب في مجملها تعني أن الجماعة قد خرجت من عباءتها بل وتنكرت لمبادئها، وهو أمر لا تقامر به المجموعة الحاكمة من تلك الجماعة التاريخية فضلا عن احتمال سقوطها في أعين مؤيديها وأنصارها ومريديها إذا تجاوبت مع التوجه الأمريكي تحت إغراء الدعم الاقتصادي لحكم الإخوان أو الإغواء بمساندة حكمهم لسنوات قادمة، خصوصا أن التاريخ يثبت يوما بعد يوم أن الأمريكيين لا يكفلون الغطاء لأحد. ولنا بعض الملاحظات علي ما أوردناه: أولا:- إن جزءا كبيرا مما تردد ويتردد حول هذا الموضوع هو أقرب إلي التكهنات منه إلي المعلومات كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة أوباما في أسابيعها الأخيرة قد بدأت تراجع بجدية سياساتها تجاه مصر إلي الحد الذي دفع بالرئيس الأمريكي أوباما لأن يقول إن مصر ليست حليفا كما أنها ليست عدوا وتشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي إلي أن سبعين بالمائة من إحدي العينات يؤيدون قطع المعونة الأمريكية عن مصر أو علي الأقل تخفيضها خصوصا بعد حادث السفارة الأمريكية بالقاهرة في شهر سبتمبر 2012
ثانيا:- إن جماعة الإخوان المسلمين تقف بين شقي الرحي، فالقبول بالأفكار الأمريكية لا يتماشي مع السياسية الإخوانية كما أن العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية سوف يضعهم تلقائيا في مصاف الجماعات والدول التي تناصبها واشنطن العداء فالخيار صعب وليس أمام الجماعة إلي أن تلوذ بالأرضية الوطنية المصرية التي تعطيها الرصيد الحقيقي في كل الظروف.
ثالثا:- إننا لا ننسي أننا في عام الانتخابات الأمريكية حيث المزايدات من كل جانب وحرب التصريحات لا تتوقف وهنا يتعين علي نظام الحكم في مصر أن يضبط إيقاعه وألا ينزلق إلي معارك إعلامية خصوصا بعد التصريحات التي صدرت من وزير خارجية إحدي دول الخليج تدين سياسات الجماعة وتعترض عليها وتحذر منها.
هذه قراءة سريعة في ملف شائك يدور حول مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية الحالية وربما القادمة أيضا، وهي تؤكد في النهاية أن الزواج بين الطرفين الاخواني والأمريكي هو زواج علي ورقة طلاق لأن احتمالات الصدام أكبر من أي احتمالات أخري.
جريدة الاهرام
15 أكتوبر 2012
http://www.ahram.org.eg/Archive/1053/2012/10/15/4/177275.aspx