سوف ينتقل من «المقصورة الفضية» للقوات المسلحة حيث «الضبط والربط» و»الانضباط والاحترام» إلى أرض «الملعب» المفتوح حيث «الهرج والمرج» فى مباراةٍ عنيفة أقرب إلى «المصارعة الحرة»
يسعى فيها المتنافسون للوصول إلى «المقصورة الذهبية» «لرئاسة الجمهورية»، إننى أتحدث عن المشير «عبد الفتاح السيسي» ذلك البطل الوطنى الذى أنقذ البلاد والعباد مستجيبًا لهدير الجماهير فى الثلاثين من يونيو 2013، وأنا مشفق على ذلك الرجل المتدين دمث الخلق هادئ الطبع، فالنزول إلى «الانتخابات» هو بمثابة النزول إلى الميدان الواسع هبوطاً من «البرج العالي»، ولسوف يرى الرئيس المنتظر الناس على حقيقتهم ويكتشف أن قطاعًا منهم هم «عتاة المنافقين» و»حملة المباخر» لكل حاكم قائم أو قادم، بينما قطاع آخر يدرس مصائره بعناية ويحدد مواقفه وفقًا «للبوصلة» الرائجة! ولسوف يهاجمه الكثيرون بحقٍ أو بغير حق لأن الانتخابات فى بلادنا هى مباراة للتجريح الشخصى وتشويه صورة الخصم إذ لم نتعوّد على البرامج المكتوبة ولكننا تعودنا على الشعارات المسموعة، ولا يخفى على أحد أن مصر تحمل على كاهلها تركة ثقيلة من وقر السنين وخطوب الأزمنة وندوب العصور، «فالكنانة» بلد قديمٌ وعريق اختزن عبر تاريخه الطويل قيمًا بذاتها وتحمل دائمًا ظروفًا صعبة، ولسوف يجد الرئيس القادم للبلاد أمامه ملفاتٍ ساخنة تبدأ بملف «مياه النيل» ولا تنتهى بملف «الوحدة الوطنية» إذ أن بينهما معضلات كثر من «تطهير سيناء وتعميرها» إلى «الخروج من العشوائيات أو تطويرها» إننى أضع أمام الرئيس القادم الحقائق التالية:
أولاً: إن الشعب المصرى قد تغيَّر كثيرًا وطرأت عليه فى السنوات الأخيرة أحداثٌ سريعة وتطورات متلاحقة أدت إلى حالة غير مسبوقة من «الانفلات الأمني» بل وحالة غير مقبولة من «الانفلات الأخلاقي»، فعلى الرئيس القادم أن يجعل هيبة الدولة رادعًا لكل من يخرج عن القانون أو يروّع الناس أو يرهب الغير، كما أن قبضته يجب أن تكون قوية ضد كل مظاهر الفساد ومراكز الاستبداد، ولا تناقض على الإطلاق بين هذه المطالب المشروعة وبين مسيرة الديمقراطية واحترام الحريات وصيانة «حقوق الإنسان» بل على العكس فإن هذه المطالب تدعم هذه المفردات العصرية وتجعل «مصر الحديثة» تحسن استغلال مواردها الطبيعية وتجيد توظيف مواردها البشرية.
ثانيًا: إن «ملف مياه النيل» وبناء «سد النهضة الإثيوبي» يتحتم أن يتصدى قائمة اهتمامات الرئيس الجديد إذ لا مبرر حينئذٍ للتذرع بفترة انتقالية أو ظروف داخلية فالطرف الآخر يستغل ذلك ليمضى فى مزيدٍ من الاستخفاف «بمصر» القائدة والرائدة مدعومًا بقوى أخرى أدمنت العداء لنا والتربص بالدولة المصرية، ولأن «مصر هبة النيل» فإن هذه القوى تتوهّم أن بيدها خنق «مصر» وكأننا تسعين مليون من العجزة أو الكيانات البلهاء! فعلى الرئيس الجديد أن يبعث برسائل واضحة تؤكد أن «الشعب المصري» يحارب حتمًا إذا تهددت فيه الأرض أو المياه لأنها هى الحياة!
ثالثًا: إن ما يجرى فى «سيناء» سوف يفرض نفسه بالضرورة على الرئيس الجديد ويصبح واحدًا من شواغله الكبري، فليس «نيلنا» فقط هو المستهدف وحده، ولكن أرضنا المقدسة أيضًا محل أطماع وأحقاد من كل الاتجاهات، ولسوف يقاتل المصريون من أجل «الأرض» و»النهر» حتى الرمق الأخير فى حياتهم، إن الذين يحاولون أن يجعلوا من «سيناء» مركز جذب للتجمعات الإرهابية من أنحاء العالمين العربى والإسلامى هم أولئك الحاقدون على ترابنا الوطنى والذين تسبب لهم «مصر الدولة» أرقًا وقلقًا على مر العصور!
رابعًا: إن إصلاح التعليم يقع بين أولويات العمل الوطنى الجاد فى المرحلة القادمة، ولعلنا نعترف الآن أن تدهور التعليم المصرى فى العقود الأخيرة قد أدى إلى تراجع دورنا الإقليمى فضلاً عن قصور البحث العلمى وشيوع البطالة كما أنه أدى إلى تكريس الصراع الطبقى وضرب العدالة الاجتماعية فى مقتل لأن تعددية مصادر التعليم بين عامٍ وخاص، وبين مصرى وأجنبي، وبين حكومى ودينى فضلاً عن المصاريف الباهظة للتعليم الاستثمارى الذى يحقق أصحابه أرباحًا طائلة على نحوٍ يؤدى إلى حرمان الطبقات الفقيرة من إرسال أبنائها وبناتها إلى المؤسسات التعليمية التى أصبحت قاصرة فقط على من يملكون وحدهم حتى اقترن التفوق بالارتياح المادى الذى أعطى أصحابه ميزة على سواهم وأنهى أسطورة تكافؤ الفرص التى تحدثنا عنها وتشدقنا بها طويلاً.
خامسًا: سوف تظل «العشوائيات» التى تحيط بالعاصمة والمدن الكبيرة فى المحافظات بمثابة قنابل موقوتة ومراكز اشتعال وبؤرًا لتجمعات «المعذبين فى الأرض» من «البؤساء» الذين يعانون نقصًا حادًا فى الخدمات وتدنيًا شديدًا فى مستويات المعيشة، لذلك يجب أن يكون «لمصر» برنامج إصلاحى عاجل ينهض بتلك «العشوائيات» ويحيلها إلى تجمعاتٍ بشرية تليق بالمستوى الآدمى وتصل إليها المرافق ويسود فى ربوعها الأمن، وأنا أعرف أن هناك مشروعاتٍ كثيرة لإنقاذ سكان «العشوائيات» منها .. هذه قراءةٌ عامة فى محاولة للتقليب بين العناصر الانتقائية التى لابد أن يحتويها ملف الرئيس المقبل، وإذا كانت حظوظ المشير «السيسي» تبدو أكثر من سواه فإن الرجل يبرح «مقصورته الفضية» فى قيادة القوات المسلحة ليهبط إلى الملعب المفتوح بما له وما عليه ملتزمًا بمبدأ التضحية من أجل بلاده كما تعود دائمًا إلى أن يصل إلى «المقصورة الذهبية» للرئاسة ومعه ملفات واضحة وبرامج مدروسة خصوصًا أن «مصر» قد عانت كثيرًا من الذين تعاملوا معها كحقل تجارب، وقد حان الوقت لكى تصبح دولةً ذات رؤية بعيدة وفكرٍ عميق ونظرة حكيمة .. إنها فى النهاية «مصر» التى تجلى فيها سبحانه وتعالى «لموسى الكليم» عندما تحدث إلى ربه من «الوادى المقدس طوي»!
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 46474
تاريخ النشر: 4 مارس 2014
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/266155.aspx