كان العقيد (على شفيق) مدير مكتب المشير (عبدالحكيم عامر)، وله سطوة ونفوذ داخل القوات المسلحة وخارجها، وتزوج بالفنانة (مها صبرى)، وجاء بها إلى (لندن) فى منتصف سبعينات القرن الماضى، وكان يتردد على السفارة شأن كثير من المصريين المقيمين فى العاصمة البريطانية، وذات يوم جاء إلى مكتبى وظل يتحدث معى فى الأحوال العامة، ثم قال لى: إننى سئمت البقاء فى (لندن)، ولكننى أنتظر (خبطة العمر) ولن يطول الانتظار فأنا أتوقع ذلك خلال أسابيع قليلة! ولم أعط ما يقوله اهتمامًا، ولأننى لم أفهم على وجه اليقين ماذا يقصد، وإن كنت فهمت أنها لابد أن تكون صفقة تجارية، وبعد أسبوعين تقريبًا جاءنا الخبر بأن (على شفيق) قُتِل فى شقته وحيدًا، ولأنه كان ملاكمًا معروفًا فإنه قاوم قاتليه، وكانا شخصين مجهولى الهوية، وعرف البوليس البريطانى تلك التفاصيل من وجود ثلاث عينات من الدماء مختلفة؛ إحداها لـ(على شفيق)، والاثنتان لمن اقتحما عليه مسكنه، ويبدو أنه لم يكن هناك ترتيب مسبق للقتل، وأن المسألة كانت تتصل بتوزيع غنيمة أو تقسيم صفقة ثم جرى حوار بينهما وبين (على شفيق)، أحضر أحدهما على ما يبدو آلة القتل وهى (شاكوش) كبير ضربه به على رأسه بعد شجار عنيف ومقاومة شديدة حتى أن أجزاء من مخه كانت خارج رأسه، ونزل الخبر على الجالية المصرية وعلى السفارة نزول الصاعقة إذ إن (على شفيق) شخص معروف للجميع فهو يلتقط رزقه فى (لندن) من خلال بعض العمليات التجارية أو الصفقات المحدودة، ولكن لا أحد يعرف تفاصيل ماذا يفعل، وقام البوليس البريطانى بعملية استطلاع واسعة بسؤال الشخصيات المهمة والعامة من المصريين فى العاصمة البريطانية عن تاريخ (على شفيق) ودائرة معارفه، وكنت أحد الذين استطلعوا رأيهم، فسألونى عن بعض الشخصيات السياسية العربية الموجودة فى (لندن)، وأجبت بقدر ما أعلم، واتصل بى بعد الحادث بيومين السيد (شمس بدران) وزير الحربية الأسبق، وقال لى: أريد أن أعرف منك كلمة واحدة؛ هل تعتقد أن الحادث جنائى أم سياسى؟ فقلت له: بالقطع جنائى، فقد كان السيد (شمس بدران) يخشى أن تكون هناك عناصر من جماعة (الإخوان المسلمين) أو غيرهم من معارضى عصر (عبدالناصر) يحاولون اصطياد الشخصيات العسكرية والسياسية الكبيرة من رموز ذلك العهد وهم فى الخارج، فاطمأن وزير الحربية الأسبق لإجابتى، ثم بدأت الروايات تتوالى من مصادر بريطانية ومصرية، وكانت أقرب الروايات إلى الدقة ما ذكرته سيدة بريطانية كانت تعيش فى الدور الأسفل من البناية التى كان يقطنها (على شفيق) وجرى فيها حادث مصرعه الدامى، فقالت إنها سمعت أصوات شجار غير واضح، ورأت شخصين يتكئ أحدهما على الآخر نتيجة جرح أصابه فى مشاجرة عنيفة، وخرجا فى هدوء من البناية، وأضافت أنها آثرت الصمت خوفًا على حياتها رغم أنها قد رأتهما بوضوح من العين السحرية لباب شقتها، والبوليس البريطانى فى مثل هذه الأحداث يمضى فى التحريات إلى حد معين فإذا اتسعت الدائرة خارج حدود (المملكة المتحدة) آثر إغلاق الملف وحفظه توفيرًا للنفقات وشعورًا بعدم جدوى التحقيق، وقد تركزت تحليلات الحادث حول احتمالات مختلفة؛ كان أهمها هو أن (على شفيق) كان ضالعًا فى صفقة سلاح إما لأحد الفصائل الفلسطينية أو إحدى الجماعات اللبنانية فى مطلع الحرب الأهلية، وأن اللذين قتلاه هما شريكان فى تلك الصفقة اختلفا معه على حصته التى يبدو أنه لم يكن مقتنعًا بها ومطالبًا بمبلغ أكبر مكافأة لدوره فى تلك العملية غير المؤكدة وغير المفهومة، وأُغلق الستار وقتها حول شخصية لعبت دورًا كبيرًا فى مكتب المشير (عامر) ثم انتهت حياتها فى شقة بالعاصمة البريطانية، وفى ظنى أن هذا الحادث نموذج لضحايا تجارة السلاح من المصريين فى (لندن) وفى غيرها من عواصم العالم؛ لأنها تجارة شائكة وأرباحها طائلة إذ إن القائمين عليها يتاجرون فى أسلحة القتل بلا ضمير أو مبدأ، فكانت مأساة نهاية (على شفيق) نموذجًا لذلك النمط من النشاط التجارى الكريه.. رحمه الله، لقد رحل وسره معه!
د. مصطفى الفقى;
مجلة 7 أيام العدد 221
تاريخ النشر: 12 أبريل 2017
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d9%85%d9%8e%d9%86%d9%92-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%89-%d9%82%d8%aa%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b4%d9%81%d9%8a%d9%82-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8/