إنها شخصية نسائية مهمة فى السنوات الأخيرة من حكم الملك «فاروق»، ليس باعتبارها فقط «وصيفة القصر»، ولا لأنها زوجة الطبيب الملكى الضابط الدكتور «يوسف رشاد»، ولكن لأنها امتلكت شخصية قوية كان لها تأثير كبير على الملك فى سنوات اضطراب أحواله حتى رشحتها بعض الشائعات أن تصبح ملكة «مصر» بعد طلاق «فاروق» للملكة «فريدة»
إنها السيدة «ناهد رشاد» التى شاركت فى اختيار الملكة الجديدة «ناريمان» فى السنوات الأخيرة من عرش الأسرة العلوية كلها، وذات صباح من خريف عام 1971 وأنا نائبٌ للقنصل المصرى فى «لندن» ـ فى ذلك المقر الأنيق «بشارع المليونيرات» فى غرب العاصمة البريطانية ـ تقدمت السيدة «ناهد رشاد» بقرار علاجها إلى القسم الطبى فى القنصلية العامة، ولفت نظرى أن قرار علاجها يعطيها بصفة خاصة بدلاً نقديًا مضاعفًا تكريمًا خاصًا من الرئيس «السادات» لها، وبدت لى السيدة فى وقار النبيلات لا تخلو ملامحها من مسحة جمال يوشك على الرحيل وشخصيةٍ ثرية بالخلق والذكريات ووجدتنى أمام كنزٍ حقيقى من المعلومات أستمع منه إلى تلك السيدة الفاضلة ـ رحمها الله ـ وهى تحكى عن ذكريات تعرِّف زوجها بالضابط «أنور السادات»، وكيف تطورت تلك العلاقة حتى اكتشفت أننى أمام شخصية أسطورية كانت قريبة من تنظيم «الضباط الأحرار» وغير بعيدة عن تنظيم «الحرس الحديدى» أيضًا!
ولديها مخزون ضخم من ذكريات تلك الفترة كما تحمل تقديرًا وإكبارًا شديدين للرئيس الراحل «أنور السادات»، وتتحدث باحترام عن زوجها الراحل «د.يوسف رشاد» الذى قضى سنوات عمره الأخيرة فى مدينة «الغردقة» بعيدًا عن «القاهرة» وصخب ثورة «يوليو» وتداعياتها المعروفة.
ولقد تيقنت من حديثها أنها أوصلت منشورات الضباط الأحرار إلى مكتب الملك إشفاقًا عليه وحرصًا على عرشه وإدراكًا منها أن الحكم يمر بأسوأ مراحله وأن الرياح القادمة سوف تعصف بالجميع، فقد اكتشفت بحكم اتصالاتها وذكائها أن العد التنازلى لحكم «فاروق» قد بدأ، كما كانت تتحدث عن شخصية «أنور السادات» كأسطورة عابرة فى تاريخ تلك الفترة، كذلك حكت لى عن وساطة زوجها «يوسف رشاد» لإعادة «أنور السادات» إلى الخدمة العسكرية، خصوصا أن ذلك الضابط الوطنى ـ السادات ـ لم يستمتع بالزى العسكرى إلا لمدة عام ونصف على امتداد الفترة من 1939 سنة تخرجه فى الكلية الحربية إلى عام 1952 سنة مشاركته فى ثورة يوليو وأمضى الفترة الباقية مناضلاً فى الشارع المصرى متنقلاً بين معظم الاتجاهات السياسية.
ولقد تذكرت السيدة «ناهد رشاد» فى مناسبتين، أولاهما: عندما عملت بالسفارة المصرية بالهند وكان زميلى هناك هو السفير الراحل «أحمد عبدالسلام رشاد»، الذى كان أبوه أستاذًا فى «طب الإسكندرية» وعمه مباشرة هو «يوسف رشاد»، وكان ذلك الدبلوماسى الشاب وقتها مختلفًا عن كل أقرانه فهو سليل عائلة عريقة من الأم والأب، ويجيد اللغات الأجنبية على نحوٍ لافت ويهوى رياضة اليخوت ويهتم بفصائل الكلاب النادرة، وكان لديه كلب أثير يسميه «باشا»، وقد استكملت منه قصة عمه «يوسف رشاد» وعمله طبيبًا فى البحرية المصرية وبداية صلته بالملك «فاروق»، أما المناسبة الثانية: فكانت عندما التقيت ابنة السيدة «ناهد رشاد» فى مناسبة اجتماعية عامة، وهى سيدة فاضلة قرينة لواحد من كبار طيارينا كان يحمل رتبة «الفريق»، ووجدتها تحمل نفس كبرياء العائلة وشموخ أفرادها واعتزازهم بتاريخهم الشخصى والاجتماعى.
إننى أكتب عن صفحة مطوية من تاريخ مصر الحديث، تاركًا للمؤرخين الذين غاصوا فى أعماق تلك الفترة أن يحكموا على رؤيتنا، وهى مجرد لقطات عابرة ساقتنى ظروف حياتى إليها فرأيت أن أخرج بها وكأنها «بورتريه» إنسانى لأشخاصٍ رأيتهم فى مسيرة حياتى التى تكمل هذا الأسبوع تحديدًا ثلثى قرنٍ من الزمان!
جريدة المصري اليوم
18 نوفمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/202671