إنه أستاذ «الاقتصاد» اللامع الذى عرفته مدرجات جامعة القاهرة متألقًا فى جميع مراحل حياته، بهى الطلعة وسيم المظهر يتميز بالذكاء الحاد ويملك ناصية الحوار وجاذبية الحديث، وهو الشقيق الأصغر للمناضل المصرى الكبير «خالد محيى الدين» وهما معًا من الفروع اليانعة لعائلتهم التى تزخر بأسماء أثرت فى الحياة المصرية العامة منذ منتصف القرن الماضى إذ نذكر من عائلة محيى الدين أسماء منها «زكريا» و«خالد» و«فؤاد» و«صفوت» و«عبدالعزيز» و«عمرو» و«محمود» وغيرهم، إنها عائلة منجبة قدمت للوطن نماذج مشرفة فى مختلف المجالات، كما أن الدكتور «على الدين هلال» ينتمى إلى أحد فروع تلك العائلة حيث يلتقون جميعًا فى الجد الثالث، أعود إلى «د.عمرو محيى الدين» صاحب الشعبية الطاغية بين طلابه و«الكاريزما» اللافتة بين مريديه وأظن صادقًا أن الرجل لم يأخذ ما يستحق رغم مكانته العلمية الرفيعة وقدراته الشخصية الواضحة، فإذا انقلب النظام المصرى فى مرحلة ما على شقيقه الأكبر كان على «د.عمرو» دائمًا أن يدفع جزءًا من فاتورة ذلك الخلاف، لذا سعى الرجل إلى العمل خارج «مصر» وأمضى سنوات طويلة فى دولة «الكويت» مارس خلالها قدرًا من النشاط السياسى والاجتماعى بإدارته لشؤون الجالية المصرية متطوعًا ومتحمسًا كالعهد به دائمًا.
وقد ربطتنى بهذا الأستاذ المرموق علاقة شخصية قوية لا تخلو من احترام وإعجاب لذلك فقد أصرَّ عام 1977على السعى الجاد لكى أنضم إلى هيئة تدريس كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» فور حصولى على الدكتوراه من جامعة «لندن» وبالفعل بذل جهودًا مضنية هو وعميد الكلية حينذاك «د.محمود خيرى عيسى» كما ذهبت أنا عدة مرات إلى مكتب «د.صوفى أبوطالب» رئيس الجامعة ضمن المحاولات الصعبة لإيجاد درجة «مدرس» فى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد، وكنت وقتها شابًا يسعى نحو المستقبل بلا حول ولا قوة مدعومًا فقط من «د.عمرو محيى الدين» الذى كان شديد الإصرار على تحولى من الوظيفة الدبلوماسية إلى الأستاذية الجامعية، وتندر علىَّ وقتها أستاذى الدكتور «بطرس غالى» وزير الدولة للشؤون الخارجية وقال لى «هل تريد أن تكون (خوجة)؟
إن السلك الدبلوماسى أفضل لك لأنه يتيح النشاطين السياسى والأكاديمى فى ذات الوقت» وحدث أن رقيت وقتها إلى درجة «سكرتير أول» فعز علىَّ أن أبدأ سلك التدريس من أول درجاته واعتذرت للدكتور «عمرو محيى الدين» وعميد الكلية مفصحًا عن رغبتى فى إيقاف الإجراءات والإعلان عن المقعد من جديد لغيرى ويكفينا أننا قد حصلنا عليه لقسم العلوم السياسية فى وقت كانت فيه الدرجات المتاحة صعبة المنال وكنت قد بذلت جهدًا كبيرًا لمدة عام كامل من أجل تدبير تلك الدرجة والتى تقدم لها بعد ذلك آخرون من بينهم «د.حسن نافعة» الذى أصبح بعد ذلك رئيسًا لقسم «العلوم السياسية» بجامعة القاهرة مرتين مختلفتين، وقد كان عائدًا من «باريس» بدرجة الدكتوراه بعد أن تخرج فى كلية التجارة قبل البعثة وواقع الأمر أن الذى وضعه على المقعد هو قيمته العلمية بين آخرين تنافسوا معه ولكن الفضل يرجع فى إيجاد المقعد لى شخصيًا بعد الله سبحانه وتعالى، ولولا وجود المقعد لضاعت على «د.حسن نافعة» فرصة الحصول على ما يستحق وربما كان قد أراحنا من صداع العمل العام الذى يمارسه! ولا ينبغى أن ينزعج القارئ فالدكتور «حسن» صديق عزيز رغم اللهجة غير الودية التى تحدث بها عنى فى أحد البرامج التليفزيونية.
ولعله يذكر جيدًا أننى كنت وقفت بشدة إلى جانبه فى السعى لشغله منصب سفير مصر لدى منظمة «اليونسكو» منذ عدة سنوات وكنَّا نتحدث يوميًا عبر الهاتف فى هذا الشأن وقد كنت شديد الإيمان بحقه فى ذلك الموقع ومازلت، لأن أطروحته للدكتوراه كانت تدور حول منظمة «اليونسكو» فضلاً عن أن دراساته العليا من جامعة فرنسية، وأعود مرة أخرى إلى ذلك الأستاذ المرموق الذى نعتز به ـ «د.حسن نافعة» وأنا ـ والآلاف غيرنا لكى أقول إننى كنت أتصور الدكتور «عمرو محيى الدين» وزيرًا للاقتصاد أو متصدرًا لأحد المواقع المؤثرة فى حياتنا العامة، ولكن الرجل آثر الرحيل بعيدًا عن المضايقات ولم يتطلع لموقع ما ولا حتى عمادة الكلية، ولقد التقيته مؤخرًا فى حفل لتكريم بعض رموز كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» ووجدت أن الرجل ـ بعد رحيل شريكة حياته والتى كانت زميلة فاضلة أثناء عملنا فى إدارة المعهد الدبلوماسى بوزارة الخارجية ـ قد وهن منه العظم واشتعل رأسه شيبًا وظهرت على وجهه الوضاح بصمات الزمن وقسمات السنين، ولكنه يبقى دائمًا «عمرو أمين محيى الدين» تلك اللؤلؤة المتألقة فى سماء الوطن الكبير.
جريدة المصري اليوم
7 أكتوبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/198134