إننى أكتب اليوم عن «أحمد فراج» ذلك الإعلامى اللامع الذى جعل من برنامجه (نور على نور) منبراً لرجال الدين الكبار وقدم من خلاله الأسماء اللامعة فى تاريخ الدعوة الإسلامية، ولو أنه لم يقدم لأمته الإسلامية غير الشيخ «الشعراوى» فإن ذلك وحده يكفيهما فى قبرهما وبين يدى الخالق حيث رحلا عن دنيانا منذ سنوات، لقد كان «أحمد فراج» مثقفاً رفيعاً ومفكراً إسلامياً متميزاً اتسمت شخصيته بالرصانة والهدوء، وحتى عندما تعرض فى شبابه لأزمة ارتباط شرعى بفنانة عربية شهيرة فإنه تجاوز ذلك فى أقصر وقت وعاد إلى قواعده سالما! ولقد عرف «أحمد فراج» فى حياته شخصيات كبرى من قيادات عصره خلال عمله الإعلامى سواء وراء «الميكروفون» أو على الشاشة الصغيرة أو فى موقعه القومى مسؤولاً عن اتحاد الإذاعات العربية، ولن أنسى فى حياتى يوم أن كنت أؤدى العمرة ضمن الوفد المرافق لرئيس الدولة المصرية عام 1989 فى أول عودة رسمية للعلاقات المصرية العربية، بعد قطيعة دبلوماسية امتدت لأكثر من عقد كامل، إذ إنه بعد أن فرغ الرئيس «مبارك» من الصلاة فى الحرم النبوى الشريف داخل مقصورة لكبار الشخصيات تلا «أحمد فراج» دعاءً طويلاً يردده وراءه رئيس مصر ونحن نستمع جميعاً فى خشوع أمام رهبة المكان وقوة البيان وحلاوة الدعاء، يومها تعرفت على جانب آخر فى حياة الصديق «أحمد فراج» الذى ربطتنى به علاقة وثيقة امتدت لعدة عقود، ويجب أن أعترف بأن الفضل فى التعرف إليه يعود إلى صديق عمرى أستاذ العلوم السياسية النابه «د. على الدين هلال»، حيث كنا نخرج سوياً بعد انتهاء اليوم الدراسى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كمجموعة من الرفاق بقيادته ونتجه إلى منطقة «العتبة» لنشرب مشروباً سمّيناه فى منتصف الستينيات من القرن الماضى المشروب العقائدى، وقد كان مزيجاً من مجموعة عصائر أشك حالياً فى درجة نقائها بل نظافتها إلا أنه الشباب الذى يبتلع كل ما يقع فى يديه، وذات يوم اقتادنا «د. على الدين هلال» إلى لقاء مع الأستاذ «أحمد فراج» عام 1965 حيث ذهبنا إلى أحد بيوت القاهرة القديمة التى تتميز بالعراقة وذلك لزيارة مفكر إسلامى كبير هو «محب الدين الخطيب»- رحمه الله- وأتاحت لى الظروف يومها فرصة الاستماع إلى حوار بين «أحمد فراج» وتلك الشخصية الإسلامية الضخمة فى تاريخ علوم الدين واللغة، وقد شاركت فى جزء من الحوار وبقيت مديناً لأخى «د. على الدين هلال» – ضمن أمور أخرى– بفضل تعرفى على «أحمد فراج» المفكر والداعية والإعلامى، ولقد توطدت علاقتى به أيام سنوات عملى فى الرئاسة وحتى عندما عمل هو مستشاراً لرئيسى الحكومة ثم مجلس الشعب على التوالى، كما تعرفت إلى أسرته وقرينته الفاضلة وأدركت جزءاً من صداقته الوطيدة بالوزير اللامع «د. حسين كامل بهاء الدين» حيث كان يسمى كل منهما الآخر بلقب «المُعلم»، ولقد اكتشفت بعد رحيل «أحمد فراج» أن الفراغ الذى تركه لم يكن مصرياً فقط ولكنه فراغ عربى وإسلامى يتحدث عنه الجميع، وعندما كنت أقول له إنك أنت الذى وضعت الإمام «الشعراوى» تحت دائرة الضوء الكبير كان يرد فى تواضع بأن الفضل يرجع إلى علم ذلك الإمام الراحل وفرادة أسلوبه فى الدعوة وتميز شخصيته فى الريادة الدينية.
لقد كان «أحمد فراج» قيمة كبيرة فى حياتنا أدركنا حجمها بعد رحيله أمام الغثاء الإعلامى الذى تتقيؤه بعض الفضائيات كل مساء فنتذكر أنه كان بحق «نوراً على نور».
جريدة المصري اليوم
12 أغسطس 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/218099