إنه مفكر سعودى كان ملء السمع والبصر، خرج من البادية ليقف فى مصاف كبار العلماء والأدباء والمفكرين العرب، ولقد ارتبط اسمه بخادم الحرمين الشريفين الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» فكان نائبًا له فى رئاسة الحرس الوطنى السعودى حيث قام بعملية تأريخ رصينة لعصر الملك الموحد والمؤسس «عبدالعزيز الكبير»
ومن المفارقات أن كتابه الشهير «لسراة الليل هتف الصباح» قد أصبح واحدًا من أمتع الكتب التى صدرت فى العقود الأخيرة حتى إن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» قام بكتابة مقدمة أهم كتب الشيخ «عبدالعزيز التويجرى» برغم المسافة الواسعة بين الأستاذ «هيكل» والنظام السعودى، ويجب أن أسجل هنا أن الشيخ «عبدالعزيز التويجرى»- رحمه الله- كان مصرى الهوى ناصرى النزعة يحكم على الأمور فى موضوعية واستقلالية وحياد ويؤمن بالعروبة ويتفانى فى خدمة الإسلام والمسلمين.
ولقد كان- مثل معظم المفكرين- متأملاً بطبيعته قليل الحديث ولكنه كان راوية للتاريخ السعودى على نحوٍ لايشق له غبار، ولقد عرفته- طيب الله ثراه- من خلال صداقته الوطيدة بالأستاذ الدكتور «محمود شريف» أستاذ الطب المعروف والوزير الأسبق وزميل منظمة الشباب الاشتراكى فى سنوات ازدهارها، ثم تتابعت لقاءاتى مع ذلك المفكر العربى الكبير فى مناسبات مختلفة سواء كان ذلك فى «القاهرة» عندما يزورها أو فى «لندن» عندما نلتقى فى بعض شهور الصيف، فتراه فى مسكنه بالعاصمة البريطانية وقد أحاط به أبناؤه فى احترام وإكبار وإجلال.
والرجل يمتعنا بحديثه بينما يكون الكاتب المصرى الكبير الراحل «محمود السعدنى» هو نجم اللقاء، على الجانب الآخر فلقد ربطته به صداقة عميقة وود متبادل، وكان الاثنان يفهم كلٌ منهما الآخر من خلال المداعبات الذكية والقصص الشيقة والتعليقات الساخرة، وعندما أقدم الشيخ «عبدالعزيز التويجرى» على عملية جراحية كبرى منذ ربع قرنٍ تقريبًا لزراعة كبدٍ جديد كنَّا نشفق على الشيخ الجليل فى سنوات عمره المتقدمة ولكن الرجل دخل التجربة فى شجاعة وخرج منها سليمًا معافى ليعيش بعدها أكثر من خمسة عشر عامًا يثرى المكتبة العربية وينير الطريق للأجيال القادمة.
ولقد لاحظت بنفسى اعتزاز خادم الحرمين الشديد بمساعده الشيخ «عبدالعزيز التويجرى» حتى إنه قد طلب حضوره فى اللقاء الثنائى بين الملك فى زيارته لمصر ـ عندما كان وليًا للعهد ـ والرئيس «مبارك» وغنى عن البيان أن الملك والرئيس تجمعهما محبة عربية طويلة، ولاشك أن إعزاز ذلك الملك العربى لذلك المفكر السعودى الكبير هو مؤشر على مكانته الرفيعة وقيمته الواضحة، وسوف يبقى الشيخ «عبدالعزيز التويجري» علامة مضيئة فى تاريخ الأدب السعودى والفكر العربى وسوف يظل اسمه عالقًا بذاكرة الأجيال القادمة بقدر ما أعطى لأمته وما عمل من أجل دينه.
وسوف يذكره المصريون دائمًا نموذجًا للمفكر العربى الذى يعرف هموم «مصر» ويلم بشؤونها ويدرك شجونها، وعندما نعى الناعى ذلك الرجل الكبير وهو فى طريقه إلى الرحلة الأدبية بكيناه جميعًا وبكينا معه عصرًا ولى ولن يعود لأن الرجل انتقل من عالم الفناء إلى عالم الخلود، لقد كان ذلك منذ عدة سنوات ولكننا نتذكره دائمًا فالعظماء لا يموتون ولكنهم يستريحون فى قبورهم.
جريدة المصري اليوم
29 يوليو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/213652