لقد كتبت عنه هذه السطور منذ عام أو بعض عام تحيةً له وتقديراً لشخصه وعرفاناً بدوره على المستويين الأكاديمى والثقافى فضلاً عن دوره التعليمى والتنويرى فى «مصر» وخارجها، ولقد لفت نظرى أن «د.عمار على حسن» قد كتب عنه منذ فترة وجيزة مقالاً يفيض حباً واحتراماً وإعزازاً ولا يخلو من عاطفة صادقة تجاه «أحمد يوسف» الأستاذ الجامعى الذى ظل نموذجاً متميزاً فى كل أطوار حياته من الناحيتين العملية والأخلاقية.
إنه طرازٌ فريدٌ من البشر، لم يلهث يومًا وراء منصب ولم يتطلع عبر مراحل حياته المختلفة إلى غير مساره الأكاديمى ومكانته العلمية، وظل وفيًا لمبادئه وأفكاره لم يقبل أنصاف الحلول ولم يساوم من أجل هدف خاص، عرفت فيه الحس القومى الرفيع والوطنية الصادقة والزهد فى المناصب بل العزوف عن الأضواء الصاخبة، عرفت «أحمد يوسف» منذ اليوم الأول لدخوله كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» مع نهايات عام 1965 وكنت وقتها أتأهب للتخرج ومواجهة حياتى العملية، فجمعتنى بذلك الصديق رفيع الخلق نظيف الشخصية تجربة «منظمة الشباب الاشتراكى» التى كان يسعى من خلالها الرئيس «عبدالناصر» إلى خلق كوادر سياسية واعية فى كل التخصصات والحرف والمهن، يومها كان «أحمد يوسف» ومعه «أسامة الغزالى حرب» و«عثمان محمد عثمان» و«عبدالقادر شهيب» يمثلون كوكبةً فريدة من الشباب الواعد فى تلك الفترة السابقة على نكسة 1967.
ولقد شق الدكتور «أحمد يوسف» طريقه الأكاديمى مستندًا على ذاته معتمدًا على نفسه، كما لم يوظف اتصالاته ومعارفه من أجل أهدافٍ شخصية أو غايات ذاتية بل كانت القضايا العامة دائمًا هى المسيطرة، كما أن قضايا أمته وهموم شعبه هما اللذان دفعاه إلى الطريق الصحيح طيلة فترة عمله مما أدى إلى اتخاذه قدوة ونبراسًا لأجيالٍ تعلمت على يديه وآمنت به وارتبطت برؤيته للأحداث وقراءته للمواقف وفهمه للحاضر واستشرافه للمستقبل. ونحن أصدقاء أحمد يوسف وزملاءه إذ نحتفل به ابنًا بارًا لمصر وعلمًا خفاقًا من أعلام الجامعة.
مازلت أتذكر أنه كان عضوًا فى «المجلس القومى لحقوق الإنسان» فى جمهورية مصر العربية ولكنه آثر الانسحاب فجأة وفى هدوء دون مزايدة أو ضجيج إلى أن عاد الطائر المهاجر إلى وطنه وأمته مغردًا ومفسرًا ومعلمًا. إن «أحمد يوسف» الكاتب هو قامة عالية، كما أن «أحمد يوسف» المفكر هو ظاهرةٌ سامقة، كما أن «أحمد يوسف» فى النهاية مواطن عربى شريف ظل دائمًا شامخًا فى كل موقع تولاه، وهو الذى أعطى معهد الدراسات العربية بالقاهرة مكانته الحقيقية ووضعه على الطريق الصحيح بحكم انتمائه النقى لأمته وفهمه الصحيح لقوميته، إننى كلما رأيت هذا الصديق العزيز أشعر أننى ألتقى بجزء عزيز وغالٍ من ضمير جيلى كله بكل ما لنا وما علينا، وكلما هاتفنى متحدثًا شعرت أننى فيما أكتب وما أقول مازلت أمضى على الطريق الصحيح لأن اتصالاته تعبر عن مواقفه الواضحة من البشر ورؤيته الصادقة لما يفعلون، لقد حافظ الرجل على تطوره الأكاديمى وثرائه العلمى بنفس القدر الذى حافظ فيه على انتمائه العربى وقناعاته القومية.
تحية إلى «أحمد يوسف» الإنسان والمفكر والمثقف القابض على مبادئه حتى النهاية، الذى حافظ على طهارة ذاته وصفاء عقله وعفة لسانه طوال مشوار حياته.
جريدة المصري اليوم
1 يوليو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/212091