هو أمير «قطر» الحالى الذى ملأت دولته الأسماع وشدت الأبصار واقتحمت أدواراً مختلفة بل متباينة أحياناً، ولقد عرفت هذا الحاكم العربى عندما كان ولياً لعهد إمارة «قطر» حيث دعيت عام 1989 من الصديق القطرى «أ. يوسف درويش» لكى ألقى المحاضرة الافتتاحية لنادى «الجسرة الثقافى» فى «شيراتون الدوحة»، وكان من بين حضور المحاضرة العلامة الشيخ «يوسف القرضاوى» والمعلق الرياضى الراحل «محمد لطيف» ومعظم السفراء العرب فى العاصمة القطرية، بالإضافة إلى حشد من المثقفين القطريين وأبناء الجالية المصرية الذين يعملون هناك من أطباء ومهندسين ومدرسين وغيرهم، وقد استقبلنا وزير الثقافة وقتها بكرم زائد وأخبرنى أنه قد تحدد لى موعد لمقابلة ولى العهد الشيخ «حمد» فى مكتبه صبيحة اليوم التالى للمحاضرة، وقد رافقنى فى ذلك اللقاء السفير «عصام حواس» الذى رحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة.
وقد كان استقبال ولى العهد لنا متسماً بالود والبشاشة إلى جانب روح المرح التى عُرف بها دائما، وما إن جلست إليه حتى بدأ هو الحديث عن وزير داخلية «مصر»، حينذاك، اللواء «زكى بدر»- رحمه الله- وذلك بمناسبة زيارة مرتقبة وقتها من الوزير المصرى للدولة القطرية.
وقد ذكر الأمير يومها أنه قد أمر بتأجيل رحلة صيد له فى «البر» حتى يتسنى له استقبال وزير الداخلية المصرى الذى كان اسمه يثير جدلاً واسعاً فى الأوساط المصرية والعربية خصوصاً الخليجية منها، لأنه كان وزيراً قوى الشكيمة حاد اللسان لاذع السخرية، كما كان يتميز بجرأة فريدة جعلته محط الأنظار دائما وموضع الإعجاب أحيانا. وقد حدثنا ولى العهد فى ذلك اللقاء عن بعض مراحل التاريخ العربى الحديث.
وأتذكر أنه تعرض لعصر «عبدالناصر» بقدر من التعاطف ولاحظت أنه شديد الاطلاع واسع الثقافة، معنى بكثير من القضايا القومية والخليجية، ولم تمض إلا سنوات قليلة وأصبح هو أمير البلاد التى اتجه بها بنقلة نوعية، يختلف حولها الكثيرون بين مؤيد ومعارض وبين متحمس ورافض، وواقع الأمر أن دولة «قطر» تحاول حالياً أن يكون لها صوت واضح فى كل المحافل الدولية والمنتديات العالمية، وعلى الرغم من الفتور الذى يشوب العلاقات بين «القاهرة» و«الدوحة» والذى يرجع معظمه إلى حساسية الحكومة المصرية من الأسلوب الانتقائى لقناة الجزيرة – وهى من أرقى القنوات مهنيا وأوسعها انتشاراً إعلامياً– وهى تنفذ مشروعاً واضحاً لا يقف عند حدود انتقاد الأوضاع فى «مصر» من وجهة نظرهم، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة تحجيم ريادتها وتقزيم مكانتها والادعاء بأن دورها يتراجع وأن صوتها يخفت، ولكن «قطر» الرسمية تحافظ على خيط رفيع من الود تجاه «مصر» وشعبها العريق، بل إن الأمير القطرى لم يتردد فى تقديم الدعم المادى «لهيئة السكك الحديدية المصرية» عندما تكررت حوادث القطارات فى السنوات الأخيرة، ولقد سمعت بأذنى إشادة من الرئيس «مبارك» فى اجتماع عام بذلك التصرف القومى الكريم.
وقد ادعى الكثيرون أن «مصر» الرسمية تشعر بحساسية تجاه الدور القطرى فى المصالحة اللبنانية أو الفلسطينية أو حتى مشكلة «دارفور»، وفى ظنى أن هذا القول ليس دقيقا لأننا محتاجون إلى الأدوار المتكاملة والنوايا الطيبة والبعد عن محاولات المنافسة التى لا مبرر لها أو سرقة الأضواء التى لا تدوم، واضعين فى الاعتبار أن الدور الإقليمى معطى تاريخى وجغرافى وبشرى.
هذه بعض خواطرى أسجلها وأنا أتذكر ذلك اللقاء الأول الذى جمعنى بأمير «قطر» عندما كان ولياً للعهد، خصوصاً أننى التقيته مرة أخرى وهو أمير للبلاد عندما كنت مساعداً لوزير الخارجية السيد «عمرو موسى» وكان لقاؤنا به منفتحاً وممتداً حيث أدركت يومها أنه هو صاحب القرار النهائى فى كل ما قامت به بلاده وتقوم خلال العقدين الأخيرين، فتحية لبلد عربى شقيق تربطنا به أشد الروابط وأوثق الصلات مهما كانت الظروف ومهما جرى من ملابسات.
جريدة المصري اليوم
24 يونيو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/211470