لابد أن أعترف بأن هذه الشخصية تحتل مكانة كبيرة فى عقلى وقلبى معًا، فهو الفقيه القانونى والمحامى الدولى والوزير الأسبق والمسؤول الشريف وهو الداعية الإسلامى على ركيزتى الاعتدال والوسطية، وفوق هذا فهو من أفضل من استمعت إليهم حديثا باللغتين العربية والإنجليزية، ولقد قال لى أصدقائى «الفرانكفونيون» إن لغته الفرنسية راقية أيضًا. ورغم أنه يسهب عند الحديث ويطنب عند الحوار فإن توهجه الفكرى وتدفقه اللغوى يشدان كل من يستمع إليه أو يتحاور معه.
ولقد عرفت «د.أحمد كمال أبوالمجد» فى منتصف ستينيات القرن الماضى مع التجربة الرائدة – بما لها وما عليها – «منظمة الشباب الاشتراكى» وكان أيامها تحوم حوله شبهة التعاطف مع التيارات الإسلامية وفى مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين» حتى جرى اعتقاله لعدة شهور مع أنه كان ملء السمع والبصر على الساحة السياسية للنظام الناصرى الاشتراكى، وأشهد هنا أن تبحر الرجل فى الشريعة والفقه الإسلاميين لم يدفع به إلى الدخول فى تنظيم سياسى دينى طوال حياته. ولقد أدرك ذلك قادة النظام القائم فى منتصف الستينيات فحظى بحب السيد «زكريا محيى الدين» واحترام السيد «على صبرى» رغم ما كان بينهما من اختلاف فى التوجهات الفكرية والميول السياسية حينذاك. ولقد استوزره الرئيس «السادات» حيث حمل حقيبتى الشباب والإعلام على التوالى،
ومازلت أذكر أن «د.أبوالمجد» قد حكى لنا ذات يوم أنه ذهب إلى الرئيس «السادات» يبلغه بدعوة من السيد «صدام حسين» نائب رئيس العراق، وقتها، ولكن السادات بحكمته ورؤيته قال له إننى أحذر من هذا الرجل الذى قد يدمر العراق ويضر بالأمة العربية كلها وكأنما كان السادات يقرأ فى كتاب مفتوح مع مطلع السبعينيات من القرن العشرين، ويطلق الكثيرون على «الدكتور أبوالمجد» اسم «كلام أبوالمجد» بدلا من «كمال أبوالمجد» بسبب حلاوة حديثه وطلاوة لسانه ورقى لغته مع الفكر العميق والثقافة الواسعة والأمانة فى عرض ما يؤمن به وما يعتقد فيه، ولقد استعانت به جهات دولية كثيرة فى مقدمتها «البنك الدولى» كمستشار قانونى دولى رفيع المستوى، فضلا عن أنه واحد من فرسان التحكيم فى القضايا الدولية والنزاعات الكبرى، كما كان قريبا لسنوات طويلة لولى عهد الكويت وأميره الراحل الشيخ «سعد العبد الله»، وظل مستشارًا قانونيًا لتلك الدولة الشقيقة بسبب مصداقيته وقدرته على المواءمة السياسية فى إطار احترامه للقاعدة القانونية، وفوق ذلك كله فهو معروف بالأدب الجم والتواضع الشديد والصبر فى التعامل مع الآخرين رغم انتمائه لعائلة صعيدية عريقة يمتد نسبها إلى بيوت العلم والدين فى مصر العليا، وقد رزقه الله ذرية صالحة فكان ابنه الأكبر واحداً من ألمع أطباء القلب فى مصر، كما أصبح الثانى واحداً من أميز سفرائنا فى الخارجية المصرية كما أن الناشر الدولى الكبير المهندس «إبراهيم المعلم» قد صاهر «د.أبوالمجد» فاكتملت بهما دورة الكتابة والنشر على نحو أفاد المثقفين فى مصر بكل اتجاهاتهم وقراء العربية جميعا، كما كانت تجربة «د.أبوالمجد» وهو نائب لأستاذى الدكتور «بطرس بطرس غالى» فى «المجلس القومى لحقوق الإنسان» تجربة رصينة وأمينة، حيث أسهم فى وضع هذا المجلس على الخريطة الدولية والإقليمية والمحلية، ولا شك أن ذلك الفقيه القانونى ينتصر دائمًا لحقوق الإنسان وينحاز لقضايا الحريات ويتفهم بوعى شديد الظروف المحيطة والبيئة السياسية المؤثرة، لذلك لعب دورا نشطا ومازال فى «المجلس القومى للمرأة» على امتداد عقد كامل.
إن «د. أبوالمجد» ظاهرة تستوجب الاحترام وتستحق التقدير فمقالاته عن المحكمة الدستورية الأمريكية ودراساته المتنوعة حول الدساتير تجمع بذكاء بين روح القانون وواقع الحياة السياسية دون مغالاة أو شطط، فقد علمته الحياة دروسًا تراكمت فى وجدانه، مثلما تراكم العلم فى عقله، وإذا كان البعض يشكو من أن مساحة حديث «د.أبوالمجد» فى المنتديات المختلفة تأخذ من وقت غيره وتسرق الأضواء له وتشد الانتباه إليه قبل غيره- فتلك من خصائص كبار المفكرين وعظماء المحدثين، الذين أعطاهم الله عمق التفكير وروعة التعبير فى وقت واحد.
جريدة المصري اليوم
15 أبريل 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/203022