هو المدير السابق للمنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية (W.I.P.O) ومقرها مدينة «جنيف» السويسرية، ولقد تواصلت علاقتى بهذه الشخصية السودانية المرموقة لسنوات طويلة عرفته فيها نموذجاً للأفريقى العربى الذى كان يقود منظمة دولية مهمة باقتدار فى ظل ظروف تشابكت فيها التوجهات والأفكار والمشارب، ولكنه كان دائمًا بذكائه الحاد وخبرته الواسعة قادرًا على قيادة هذه المنظمة المؤثرة وسط التيارات المتضاربة فى وقت أصبح فيه موضوع «الملكية الفكرية» هاجسًا دوليًا لا يتصل بالفكر والاختراع وحدهما ولكنه يتجاوز ذلك إلى الصناعات المحلية والمنتجات الطبية والتجارة الدولية وغيرها من المسائل المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية فى عالمنا المعاصر.
و«د.كامل إدريس» دبلوماسى سودانى فى الأصل صعد إلى رئاسة هذه المنظمة الدولية وظل فى موقعه لسنوات طويلة خدم خلالها قضايا «الملكية الفكرية» وأعطى اهتمامًا دائمًا رغم شواغله ومسؤولياته لمتابعة ما يجرى فى وطنه، فاقترب من السياسة السودانية وأقطابها رغم اختلافاتهم الشديدة ومواقفهم المتباينة، وكثيرًا ما زرته فى مكتبه بمدينة «جنيف» فوجدته يعيش معنا أحوال العالمين العربى والأفريقى يومًا بيوم، وكثيرًا ما شاركنا اللقاء السفير السودانى الراحل البروفيسور «أحمد عبدالحليم» الذى اختتم حياته سفيرًا لبلاده فى «فيينا» ثم فى «القاهرة»، ولقد كنت أشعر دائمًا أن «د. كامل إدريس» يتطلع إلى دورٍ مهم على المسرح السياسى السودانى لذلك لم تكن مفاجأة لى عندما علمت أنه أحد المرشحين فى انتخابات الرئاسة السودانية، ولقد قال لى صديق سودانى آخر إن الرئيس «عمر البشير» قد رحب ذات يوم بالدكتور «كامل إدريس» قائلاً: (مرحبًا بـ«كرزاى السودان») فى إشارة إلى الرئيس الأفغانى الذى فرضته «الولايات المتحدة الأمريكية» على بلاده من خلال الانتخابات التى تمثل الديكور الديمقراطى المعروف، والواقع أن «د. كامل إدريس» يختلف عن ذلك تمامًا فهو وطنى سودانى معروف.
ولقد سمعت محاورة له على إحدى الفضائيات حاول فيها السائل أن يربط بين ترشيح «د. كامل إدريس» فى انتخابات الرئاسة السودانية وهو الرئيس السابق «للمنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية» القادم من «جنيف» وبين دخول «د. محمد البرادعى» مسرح الحياة السياسية المصرية وهو المدير السابق «للوكالة الدولية للطاقة الذرية» القادم من «فيينا»، ولكن الدكتور «كامل إدريس» أكد فى إجابته أنه كان دائمًا شديد الارتباط بالأوضاع الداخلية فى بلاده، والطريف فى الأمر أن كلتا الشخصيتين «البرادعى» و«إدريس» بدآ حياتهما فى «السلك الدبلوماسى» لبلديهما.
وإذا كان «د. البرادعى» يحظى باحترام دولى كبير وصل به إلى «جائزة نوبل» فإن التحركات السياسية للدكتور «إدريس» تبدو تعويضًا له عند المقارنة فى هذا السياق، وإذا كانت مصر تمثل دولة قيادية مؤثرة فى عالمها العربى ومحيطها الأفريقى وفضائها الدولى فإن «السودان» كذلك بلدٌ كبير يواجه تحدياتٍ داخلية وخارجية إلى جانب ضغوطٍ كثيرة ومحاولات ابتزازٍ واضحة لذلك فإن الصراع السياسى فى ذلك القطر الشقيق لا يبدو بعيدًا عنَّا أو غريبًا علينا، وهو ما يستلزم منَّا أن نكون دائمًا قريبين من تطوراته غير بعيدين عن مشكلاته واضعين فى الاعتبار أن «مصر» و«السودان»، شماله وجنوبه، دولتان توأم بمنطق التاريخ وحكم الجغرافيا وطبيعة وادى النيل، وأنا شخصيًا أرى فى ظاهرة «البرادعى» و«إدريس» رغم الاختلاف بين الشخصيتين والتفاوت فى المكانة الدولية مع تشابه التاريخ الشخصى لهما وتطلعهما إلى دورٍ سياسى وطنى ظاهرة صحية لا تدعو إلى القلق بل تدفع نحو الشراكة السياسية وضخ دماء جديدة إلى شرايين العمل الوطنى العام فى القطرين العربيين الأفريقيين.
وسوف أتابع مسار الدكتور «كامل إدريس» بالخرطوم وأرقب دوره فى «العاصمة المثلثة» وهو يسعى تحت مظلة الدستور السودانى وفقًا لقواعد الديمقراطية وتحت لواء الوطنية التى يجب أن يؤمن بها وأن يقف على أرضيتها كل من يسعى لخدمة بلاده والمضى بها نحو مستقبلٍ أفضل.
جريدة المصري اليوم
1 أبريل 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/202677