عندما شاهدته على شاشات «التلفزة» مؤخرًا وهو يتحدث عن سير المعارك مع جماعة «الحوثيين» على الحدود اليمنية السعودية وشروط «المملكة» لقبول وقف القتال بعد انسحاب الجماعة اليمنية المتمردة من أراضيها مرَّ برأسى شريط ذكريات معرفتى بذلك الأمير المحارب الذى قاد القوات المشتركة فى حرب تحرير «الكويت» ولعب دورًا رئيسًيا بين الحشود العسكرية فى «حفر الباطن»، ولقد شاءت الظروف أن ألتقى بحفيد الملك «عبدالعزيز» الكبير فى مناسباتٍ مختلفة وهو الذى اختار العسكرية طريقًا لحياته تأسيًا بجده الموحِّد الذى جمع أطراف الجزيرة وأقام دولة «المملكة العربية السعودية»، وقد ألحَّ على خاطرى يوم تكريمٍ أقامه أحد الأصدقاء على شرف صاحب السمو الملكى الأمير «خالد بن سلطان» واحتشد له فى ذلك الحفل بالقاعة الذهبية بقصر «محمد على» بالمنيل عدد كبيرٌ من المثقفين وكبار المسؤولين أتذكر منهم السفير «أحمد القطان» مندوب المملكة العربية السعودية لدى جامعة الدول العربية و«د. زاهى حواس» والروائى «جمال الغيطانى» ورئيس اتحاد الناشرين العرب حينذاك المهندس «إبراهيم المعلم» والخبير السياحى «عمرو بدر» بالإضافة إلى الكاتب المسرحى المعروف «على سالم» الذى انبرى بروحه المعروفة وظرفه المعتاد يحكى بعض الطرائف ومنها «نكتة» تتحدث عن لقاء السماء بين المولى سبحانه وتعالى وأنبيائه «موسى» و«عيسى» و«محمد» وكل واحد منهم يتبعه قومه والمؤمنون برسالته، وقد انتهت تلك النكتة بختامٍ مفاجئ يشير إلى «الكاميرا الخفية» التى كانت ترصد فى الخيال ذلك الحدث السماوى الجليل، وحيث كانت جلستى على يسار الأمير مباشرة فقد همس فى أذنى بأنكم تقولون فى «مصر»: لا إله إلا الله ونحن نرد فى «المملكة»: محمد رسول الله، فى إشارة رقيقة منه إلى عدم ارتياحه لمضمون تلك الطرفة الدينية، وأتذكر أن صديقى المهندس «إبراهيم المعلم» قد أبدى دهشته هو الآخر من سياق ذلك الحديث، ولكن الكاتب المسرحى «على سالم» استطاع أن يتجاوز آثار تلك المداعبة بحديثه الطلى ونوادره الجذابة، ولقد لاحظت دائمًا أن الأمير «خالد بن سلطان» يحمل لمصر حبًا زائدًا وتقديرًا خاصًا وإن كان تكريمها الرسمى له قد جاء متأخرًا نسبيًا وكان يجب ألا يسبقها إليه غيرها بحكم صلته بمصر والعلاقة التاريخية القوية بين «العرش السعودى» و«الكنانة» والتى جسدها الملك «عبد العزيز» الكبير فى وصيته لأولاده وأحفاده قبيل وفاته. والعائلة الحاكمة السعودية تتميز بالتماسك واحترام التسلسل الأسرى وتقديس الأقدمية العمرية مع قدرٍ كبير من التواضع الفطرى والأدب الجم إلى جانب الارتباط التاريخى والجغرافى بالشعب المصرى. ورغم أن العلاقات بين «القاهرة» و«الرياض» قد تأثرت سلبيًا فى العصر الناصرى فإنها لم تفقد زخمها الدائم وقوة اندفاعها المتجددة لذلك فإن الأمير «خالد بن سلطان» يجسد فى نظرى جسر التواصل السعودى مع الجيش المصرى قفزًا على التجربتين اللتين لا تعكسان روح العلاقة الأزلية بين الشعبين ولكنهما كانتا فقط انعكاسًا لظروفٍ سياسية وتوترات إقليمية ارتبطت بزمانها، وأعنى بهاتين التجربتين المواجهة مع «إبراهيم باشا» ابن «محمد على الكبير» فى القرن «التاسع عشر» ثم المواجهة الثانية مع «جمال عبدالناصر» فى «القرن العشرين» ولكن الهوى المصرى ظل متعلقًا بالأماكن المقدسة والبقاع الطاهرة، فأداء «العمرة» وفريضة «الحج» يمثلان رغبة دفينة فى قلوب مسلمى «مصر» ولا شك أننا نشعر بارتياح للتحولات السعودية الإيجابية فى العقد الأخير، خصوصًا فى مجالات التعليم والتنمية والتحديث السياسى والثقافى، ولا شك أن الأمير «خالد» يمثل حلقة قوية إلى جانب إخوانه وأبناء عمومته داعماً للمسيرة السعودية فى ظل أنواء المنطقة وعواصفها العاتية، وحين أرى ذلك الأمير السعودى الجاد ببزته العسكرية فإننى أدرك أن تلك العائلة قد أحسنت توزيع الأدوار وتحديد المواقع لأبنائها المخلصين، ويكفى أن نتذكر أنه فى المرتين اللتين تعرضت فيهما «المملكة العربية السعودية» خلال العقدين الأخيرين لعدوانٍ خارجى يمس سيادتها كان على رأس قواتها المسلحة ذلك الأمير الذى يحمى تراب وطنه المقدَّس، وسوف تبقى صداقتى بالأمير «خالد بن سلطان» مبعث اعتزازٍ لا ينتهى ومصدر ودٍ لا يتوقف.
جريدة المصري اليوم
11 فبراير 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/195181