هو رئيس مجلس النواب اللبنانى والشخصية السياسية المرموقة على ساحة ذلك البلد الرائع، وأحد الرؤساء الثلاثة الذين يحكمون التركيبة السياسية والطائفية هناك، وهو مسلمٌ شيعى وفقاً لميثاق 1943، الذى جعل المنصب الأول فى «لبنان» من نصيب «الموارنة» ورئاسة مجلس الوزراء للمسلمين السنة، ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة، إلى جانب توزيع الحقائب الوزارية والمناصب العليا فى الدولة وفقاً للتركيبة اللبنانية الفريدة التى توزع المواقع الكبرى بين الطوائف الإسلامية والطوائف المسيحية، وهو ما أكدته اتفاقية «الطائف» أيضاً ولم تخرج عنه.
ولقد ارتبط الصعود السياسى للسيد «نبيه برى» بحركة «أمل»، التى كانت هى الأخرى امتداداً لحركة المحرومين التى رعاها الإمام المختفى «موسى الصدر». والسيد «نبيه برى» خطيب مفوّه ومتحدث مؤثر وشخصية ذات ثقل على الساحتين اللبنانية والعربية، وتربطنى به مودةٌ نشأت فى السنوات العشر الأخيرة من اللقاءات البرلمانية والمؤتمرات الدولية، وقد حكى لى ذات يوم عندما تطرق الحديث إلى وحدة العالم الإسلامى كيف أنه درس على يد معلم مصرى كان معاراً فى مدرسته اللبنانية فكان يأخذ تلاميذه اللبنانيين من شيعة وسنة لصلاة الجمعة بشكل دورى متناوب مرة فى «مسجد سنى» وأخرى فى «حسينية شيعية»، ليؤكد لهم أنه لا تفرقة بين الفرق والمذاهب الإسلامية لمن يعبدون رباً واحداً ويؤمنون برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم)، كتابهم القرآن الكريم،
وقبلتهم مشتركة وأركان دينهم لا خلاف بينهم عليها. ويتميز السيد «نبيه برى»- فى ظنى- بأنه يفصل إلى حدٍ كبير بين مواقفه السياسية وعلاقاته الشخصية، ويحتفظ بحبال المودة حتى مع بعض خصومه السياسيين أحياناً. وقد اكتشفت من خلال أحاديثى معه أنه يحمل لمصر محبة عربية وتقديراً قومياً، ويحتفظ مع رئيسها بعلاقات الود الدائم والاحترام المتبادل.
وللرجل دورٌ رئيس فى الحياة السياسية اللبنانية وأزماتها المتكررة، ويكاد يكون الشخصية المفتاحية لاختراق المواقف الصعبة فى السياسة والحكم فى «لبنان»، وإذا كان الرجل يحتفظ بعلاقات مع «سوريا» و«إيران» فإن علاقاته أيضاً طيبة مع «السعودية» و«مصر» وباقى دول «الخليج» و«المغرب العربى» باستثناء الحساسية الباقية بين «شيعة لبنان» و«الجماهيرية الليبية» باعتبارها آخر محطة اختفى بعدها «الإمام موسى الصدر». ولقد ترأس السيد «نبيه برى» اجتماعات المصالحة بين أطراف المعادلة اللبنانية من معارضة وموالاة، وكان دائماً محل قبول عام بين جميع الأطراف.
لقد قال لى ذات مرة، عندما كان الرئيس الحالى للجمهورية اللبنانية «ميشيل سليمان» لا يزال قائداً للجيش ومرشحاً لرئاسة الدولة- ذكر السيد «نبيه برى» أمام أعضاء وفد البرلمان العربى فى مكتبه ببيروت عام 2008 أنه قد استأنس كثيراً واستبشر خيراً بالزيارة الخاطفة، التى قام بها الرئيس المرشح «ميشيل سليمان» للقاهرة، والتقى خلالها رئيس مصر «محمد حسنى مبارك»، كما تحتفظ السيدة الفاضلة قرينة السيد «نبيه برى» بقدر كبير من الصداقات النسائية فى «مصر»، خصوصاً فى مجال العمل التطوعى الإنسانى.
.. إننى أعتز كثيراً بصلتى الشخصية بالسيد «نبيه برى»، وأراه نموذجاً أقرب إلى الاعتدال منه إلى التشدد، كما أظن أن الرجل يحرص على علاقاتٍ متوازنة مع الجميع، نعم إن له لونه السياسى وزعامته الطائفية، ولكنه ما زال يحافظ على مسافة مناسبة مع كل الأطراف، وفى ظنى أيضاً أن انفتاح «مصر» على الشيعة العرب خصوصاً فى دول «الشام» و«الخليج العربى» أمر يجب أن يظل محل اهتمام وعناية دائمة، لأن «مصر» بلد كبير أقول عن تاريخ شعبه دائماً إنه «سُنى المذهب شيعى الهوى»
كما أن «لبنان» بالذات وطن جميل له خصوصيته، ويتكامل مع «مصر» ثقافياً عبر التاريخ، خصوصاً فى مجالى الأدب والفن ويعتبر كلاهما إضافة للآخر ومصدراً لازدهار الحركة الفكرية فى كليهما، وحسناً فعل أشقاؤنا فى «سوريا» و«لبنان» بفتح جسور الحياة السياسية الطبيعية الودية بين «دمشق» و«بيروت» فللشعبين مزاج مشترك وتاريخ متداخل. ويبقى السيد «نبيه برى» فى النهاية نموذجاً للتوافق اللبنانى والتضامن العربى الذى يلمع بريقه فى أحلك الظروف وأصعب المواقف وأشد الأزمات.
جريدة المصري اليوم
21 يناير 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/191108