إنه شخصيةٌ تثير الاحترام وتحتاج إلى التأمل، فقد جمع بين التفوق المهنى والتألق السياسى والتميز الوظيفى فى وقتٍ واحد، وعندما كان مدرسًا صغيرًا فى كلية الطب بجامعة القاهرة فتحت له مهنته أبواب العمل العام والنشاط السياسى للشباب، ويتردد أن اكتشافه سياسيًا قد بدأ من النبوغ الطبى فعندما عالج أطفال «المشير عامر» فى مطلع الستينيات من القرن الماضى التفت إليه أساطين الحكم فى ذلك العصر باعتباره طبيبًا نابغة و«نطاسيًا» بارعًا، ثم برزت ملكاته السياسية أمامهم ليكون أمينًا للشباب فى الاتحاد الاشتراكى العربى ثم أول أمينٍ للجنة المركزية لمنظمة الشباب الاشتراكى، وهى تجربة تستحق التقييم والمراجعة لأنها لم تأخذ نصيبها من الدراسة أو الاهتمام، ولقد خرج من عباءة «حسين بهاء الدين» عدد كبير من قيادات العمل العام الذين أضافوا للحياة السياسية فى مصر، أذكر منهم أسماء مثل: «مفيد شهاب» و«عبدالأحد جمال الدين» و«محمود شريف» و«على الدين هلال» و«عبدالغفار شكر»، وغيرهم كذلك ممن توقفوا عن مواصلة العمل السياسى وتألقوا فى مواقعهم العلمية، وأذكر منهم «د. عادل عبدالفتاح محمود» الذى كان مرشحًا منذ سنوات لرئاسة «منظمة الصحة العالمية»، بالإضافة إلى مئات من القيادات الجادة الذين تبعثروا فى مناحى الحياة وتفرقت بهم السبل، بل أصبح منهم شخصيات بارزة بين رجال الأعمال وفى مجال الصناعة أيضًا، ولكن هناك قاسم مشترك يجمع بينهم هو وضوح النظرة السياسية وعمق الرؤية الوطنية، وقد أثبت معظمهم نجاحًا باهرًا فى مجالات العمل وميادين الحياة. أما الدكتور «حسين كامل بهاء الدين»، الذى كان يقف على قمة هرم «التنظيم الشبابى»، فقد تعرض لحادث سيارة مروع فى منتصف ستينيات القرن الماضى يبدو أنه كان مدبرًا وكُتبت له الحياة رغم بشاعة الحادث وضراوته فى وقتٍ كان الصراع الخفى فيه محتدمًا بين مراكز القوى على الساحة السياسية، وكان على قائد التنظيم الشبابى أن يدفع ضريبة الولاء للتنظيم الطليعى وقياداته المختلفة، والعجيب أن وحيده «د. خالد حسين كامل بهاء الدين» قد تعرض لحادثٍ مماثل ولكن لأسباب قدرية بحتة وهو فى عمر والده تقريبًا عندما وقع الحادث الأول، ولكن الله لطف به بدعوات والدته زميلة دراستى الفاضلة.
ولقد تميَّز الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» دائمًا باحترام العلم وإعلاء كلمة العقل ولايزال كتابه «الأسلوب العلمى فى العمل السياسى» الذى صدر فى منتصف الستينيات من القرن العشرين مرجعًا يجرى الاسترشاد به والإفادة منه، وعندما خبت أنوار العصر الناصرى لم تنطفئ شعلة «د. حسين كامل بهاء الدين»، ولكنه ترك المسرح السياسى مؤقتًا لكى ينشط فى مجال الطب على مستوياته الدولية والإقليمية والمحلية، فكان اسمًا مرموقًا فى الجمعيات الدولية لطب الأطفال ورئيسًا لها فى «مصر» وطبيبًا متطورًا يقف على أحدث الأساليب العلمية ويمارس أدق ما وصل إليه علم الطب فى عالم الأطفال، ولقد هيأ له ذلك الطريق أن يكون اختيارًا موفقًا لوزارة «التعليم» التى شغلها قرابة خمسة عشر عامًا فى عصر الرئيس «مبارك»، والجميع يشهد له سواء فى التعليم الجامعى أو المدرسى بالاستنارة والطهارة والنزاهة وبُعد الرؤية، وقد حارب التطرف بضراوة ودخل معارك قاسية ضد المحاولات الدخيلة لغسل عقول الأجيال الجديدة، وتنبه إلى «كليات التربية» ليحجب التطرف الدينى من المنبع، كما واجه «مافيا الدروس الخصوصية» فى سلسلة طويلة من المواجهات الحاسمة دفع فيها ثمنًا غاليًا من صحته وربما من شعبيته أيضًا، إلا أنه كان يتعامل مع «المصلحة العليا للوطن» دون أى اعتبارٍ آخر، ولقد جمعتنى بالدكتور «حسين كامل بهاء الدين» مسيرة عمر تتجاوز خمسة وأربعين عامًا منذ التقطنى وأنا طالب فى السنة النهائية بكلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» بجامعة القاهرة ورئيس لاتحاد طلابها، فاجتزت المراحل التدريبية الثلاث للمنظمة وأصبحت عضوًا باللجنة المركزية لها مسؤولاً عن التثقيف فى العاصمة المصرية ولم أكن قد تجاوزت الحادية والعشرين إلا بشهورٍ قليلة، ثم استكتبنى فى مجلة «الشباب العربى» التى كانت تتوجه إلى المبعوثين المصريين فى الخارج تحت إشراف المناضل المصرى الوطنى «عبدالغفار شكر»، ولقد قدمنى الدكتور «حسين كامل بهاء الدين» وأنا فى هذه السن الصغيرة إلى السيد «على صبرى» نائب رئيس الجمهورية وأمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى، فى لقاءٍ منفرد استمر لمدة ساعتين فى يوم من أيام شهر فبراير 1966، حيث أصبحت بعده عضوًا فى «التنظيم الطليعى» الذى فُصلت منه قبل النكسة بسبب انخراطى فى تنظيم قومى طلابى فى تلك الفترة، وإن ظللت محتفظًا بعضويتى فى «اللجنة المركزية» وأمانة التثقيف بها، تمسكًا من الأمين العام للجنة المركزية «د. حسين كامل بهاء الدين»، ولقد واجه ذلك الرجل فى حياته عواصف عاتية، كان البعض منها بسبب القلق من قدراته الكبيرة والبعض الآخر غيرة من شخصيته المرموقة وفريق ثالث ينعى عليه اتساع طموحاته ويتحسب منها.
ولقد سطع نجم الرجل فى عصر الرئيس «عبدالناصر» سياسيًا، وفى عصر الرئيس «السادات» مهنيًا، وفى عصر الرئيس «مبارك» وزاريًا، ولكنه ظل فى العهود الثلاثة وطنيًا مخلصًا وإنسانًا راقيًا يخدم الفقراء والمستضعفين قبل أن يعالج الأغنياء والقادرين، ولابد أن أذكر بعض النماذج من أسماءٍ أخرى لمعت فى سماوات الوطن وكلها خرجت أيضًا من عباءة «د. حسين كامل بهاء الدين» أتذكر منهم الدكاترة «أحمد يوسف أحمد» و«أسامة الغزالى حرب» و«عثمان محمد عثمان» و«منى ذوالفقار» و«فؤاد النواوى»، وغيرهم من قوافل العمل الوطنى الجاد فى المجالات المختلفة.
.. تحيةً لرجلٍ أعطى بغير حدود، وأخلص لوطنه ومهنته، وجمع بين التفوق فى ميدان الطب والبروز فى مجال السياسة، وكان دائمًا متواصلاً مع ربه، صادقًا مع نفسه، وفيًا لأمته.
جريدة المصري اليوم
16 ديسمبر 2009
https://www.almasryalyoum.com/news/details/218154