أتفق مع الذين يقولون إن عام2010 عام كاشف بالنسبة لقضية الديمقراطية في مصر ففيه سوف تجري الانتخابات البرلمانية بطريقتها التقليدية ـ الفردية ـ كذلك فان ما نص عليه التعديل الدستوري من تمكين للمرأة في المؤسسات النيابية سوف يؤدي إلي تطبيق التشريع الذي اصدره مجلس الشعب بتخصيص64 مقعدا للمرأة المصرية تمثيلا لمحافظات مصر المختلفة, وهو ذات العام الذي تشهد فيه مصر ايضا انتخابات التجديد لاعضاء مجلس الشوري, ويكون ذلك كله استعدادا للانتخابات الرئاسية عام2011, من هنا تنبع اهمية عام2010 وخطورة احداثه لانها لن تكون فقط كاشفة للحالة الديمقراطية ولكنها قد تكون منشأة لتقاليد سياسية جديدة يمكن ان تؤثر بتغيير المناخ العام والبيئة السياسية في مصر واستند فيما اقول إلي الاسباب الآتية:
أولا: ان الانتخابات النيابية عام2005 قد أثارت من الصخب والضجيج اكثر مما اثارت من الرضا والارتياح, وكانت مفاجأة دخول ثمانية وثمانين عضوا من جماعة الاخوان المسلمين ـ المحظورة قانونيا والموجودة فعليا ـ بمثابة مفاجأة للمسرح السياسي كله, وقد تفرغ الحزب الوطني قبل تلك الانتخابات لمواجهة الاحزاب السياسية الرسمية الاخري فتسربت عناصر الاخوان إلي مقاعد المجلس انطلاقا من الشارع السياسي الذي اعطاها اصواتا هي ليست لها بقدر ما هي اصوات عقابية للقوي السياسية الأخري, ولقد حصد الاخوان باستخدام الشعارات الدينية والعاطفة الروحية ما كان خصما من الحزب الحاكم وغيره من القوي السياسية.
ثانيا: جرت انتخابات عامي2000 و2005 في ظل الاشراف القضائي الكامل وهو اجراء مثالي, بينما ادت التعديلات الدستورية عام2007 إلي الاشراف القضائي علي مستوي اللجان العامة فقط بالعودة إلي ما كان معمولا به من قبل, اذ ان الاشراف القضائي الكامل من الناحية العملية كاد يصيب المؤسسة القضائية ذاتها بنوع من الاضطراب ويؤدي إلي تسييس بعض عناصرها والانصراف عن المهمة الاساسية لخدمة العدالة وغاياتها السامية, كما ان الاشراف القضائي لم يمنع الاتهامات المتبادلة بالتزوير في الانتخابات وكان التراشق احيانا بين قضاة في جانب وقضاة في جانب اخر وهو أمر بالغ الخطورة شديد الحساسية, كما اننا لا نعرف نظام الاشراف القضائي الكامل إلا في حالات نادرة لبعض الدول ولكن العبرة في النهاية ليست في الاشراف القضائي من عدمه ولكنها بحجم النزاهة وقدر الشفافية وتمسك المشرفين العملية الانتخابية برسالة الديمقراطية وشرف الانتماء للوطن دون الاستجابة للضغوط أو الانصياع للأهواء.
ثالثا: إنني ازعم اننا مقبلون في السنوات القليلة القادمة علي تحولات دستورية وسياسية قد يتشكل بها تصورنا للمستقبل وتتحدد معها خريطة ما هو قادم, لذلك فإن الأهمية التي نوليها للحراك الديمقراطي المنتظر سوف تكون هي بيت القصيد في تحديد المسار المصري لسنوات وربما لعقود قادمة خصوصا ان البشر زائلون والوطن هو الباقي.
رابعا: إن عمليات التصعيد الإعلامي والتسخين المبكر للانتخابات النيابية القادمة توحي بحالة من التربص بين قوي الحكم والمعارضة وتعطي انطباعا مبدئيا بأن الاجواء السياسية ليست نقية, كما يبدو في الظاهر لان هناك نيرانا تحت الرماد مصحوبة بحالة من الاحتقان المتزايد وكلها ناجمة عن حالة الانفصام بين ما يجري علي أرض الوطن, وبين ما يتداوله الخاصة بل والعامة في منتديات السمر وثرثرات المساء!
خامسا: انني ادعي مخلصا اننا امام فرصة نادرة للتحول نحو الافضل وارتياد طريق عصري يسعي لبناء الدولة الحديثة علي اسس المواطنة الكاملة والشراكة المتكافئة, وفتح الجسور بين القوي الليبرالية بعيدا عن تيارات الفساد أو غول التطرف, فلقد آن الأوان لكي نعيد النظر في كل ماحولنا وان نعترف باخطائنا, وأن ندرس اسباب القصور والتخلف واللامبالاة وغياب الشعور بالانتماء في حياتنا الراهنة.
سادسا: ان حجم الضغوط الخارجية التي تستهدف مصر ومحاولات استغلال ظروفها الحالية لهز صورتها أو النيل من مكانتها علي المستويات القومية والاقليمية والدولية كلها مؤشرات تدعو إلي اليقظة وتوظيف امكانات الوطن لخدمة صورته الحقيقية وابراز وزنه التاريخي الذي لايختلف عليه اثنان. ولعل انتخابات اليونسكو الأخيرة كانت مؤشرا لاتخطئه العين لمحاولات تهميش مصر برغم دورها التاريخي ووزنها الثقافي وقيمتها الحضارية.
سابعا: انني اظن ـ وليس كل الظن اثم ـ ان الاشقاء العرب والاخوة الافارقة ليسوا جميعا علي قلب رجل واحد تجاه مصر فقد نالت منهم الضغوط الخارجية واثرت فيهم السيطرة الاجنبية ولم يعد بعضهم ينظر إلي مصر كعبة قومية أو منارا عروبيا أو ملتقي افريقيا, لقد تبعثر القوم وتكسرت بعض المصابيح وتحول العرس القومي إلي شتات يضرب بغير هدف ويسعي دون تحقيق مصلحة, لقد هانت ذاتنا في عيوننا نتيجة موجات الاحباط وجلد الذات فكان طبيعيا ان نهون ايضا في أعين الآخرين!
ثامنا: لقد لعبت مصر دورها الاقليمي والقومي من منظور الدولة القوية التي تقدم لاشقائها فكرة القطر النموذج ولكن ذلك لم يعد قائما الآن فلقد شب الصغار عن الطوق وسعي الجميع إلي المزاحمة بغير استثناء, واصبحنا نواجه احيانا درجة من الغيرة الممتزجة بالشفقة والقائمة علي تصور مرحلي خاطيء يحاول ان يسلب من مصر دورا هو لها وأن يعطي لغيرها مكانة لا تستحقها! فالدور ليس معطاة زمنية ولكنه تزاوج بين الجغرافيا والتاريخ وانطلاق من شعلة التنوير التي يحملها من يستطيع ان يعي مفردات العصر وان يخاطب المستقبل, ولكن هناك ايضا من يعرفون قدر مصر وتبهرهم حرية الصحافة فيها ويتابعون بدقة الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي فيها وينتظرون لحظة المخاض التي لاتبدو بعيدة!
تاسعا: ان مصر دولة عريقة عرفت المؤسسات مع بدايات القرن التاسع عشر وتعاملت مع العالم الخارجي منذ فجر التاريخ وتبادلت الأخذ والعطاء مع كل الحضارات التالية لمصر القديمة, لذلك فهي ليست دولة طفلا تحبو وليست كيانا عابرا علي خريطة الدنيا, فنحن نعرف دولا ـ بعضها عربي ـ اختفت من خريطة الوجود لفترات ثم عادت لتختفي من جديد ولتظهر في النهاية مع موجة التحرر الوطني التي اشعلت مصر الناصرية فتيلها ثم حاولت مصر السادات تقويمها, حتي جاء مبارك في ظل ظروف صعبة للغاية محاولا احداث التوازن بين طرفي المعادلة العربية المصرية.
عاشرا: ان عام2010 سوف يكون عاما حاسما وتطورا يمثل نقلة نوعية في حياتنا السياسية ومسارنا الديمقراطي وتوابعه من سيادة للقانون وتوسيع لمساحة الحريات واحترام لحقوق الانسان واعتماد للشفافية الكاملة اسلوبا للعمل السياسي والنشاط الاقتصادي مع رعاية الاقليات الدينية واحترام التعددية والتنوع والايمان المطلق بمبدأ المواطنة, اما إذا سلكنا طريقا اخر فسوف تكون تلك هي بداية النهاية!
ذلك طرح أشبه ما يكون بمحاولة التفكير بصوت عال نريد منه ان نستجمع القوي الوطنية علي كلمة سواء, إذ إن المهم هو ارساء التقاليد الديمقراطية الراسخة, والابتعاد عن الشخصانية المقيتة, والاعتراف بالقوي المختلفة في الشارع السياسي مادامت تلك القوي تسلك طريق الشرعية الدستورية وتمتنع عن الديماجوجية السياسية واستغلال المشاعر ودغدغة العواطف واللعب بالشعارات, وليتذكر الجميع ان مصر أكبر وأعظم وأخلد مما يتصورون, ولندرك مرة أخري ان الافراد زائلون ويبقي الوطن وحده رافعا راياته منشدا اهازيجه مهما توالت الخطوب وتزاحمت التحديات وتكاثر الشامتون!
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/10/6/OPIN3.HTM