حظي مقالنا المنشور في أهرام2006/8/22 بعنوان( حديث عن الأزهر الشريف) بردود فعل واسعة, وذلك لأهمية هذه القلعة الإسلامية الشامخة وذلك الصرح الإسلامي الكبير, وهو أمر سيطر علي تفكيرنا منذ سنوات الشباب إيمانا بدوره العظيم ومكانته الرفيعة في العالمين الإسلامي والعربي, بل وعلي الصعيد الدولي أيضا, ولقد أدهشني من ردود الفعل أن بعض الذين تفضلوا بإبداء آرائهم في أهرام الجمعة2006/8/25 في صفحة الفكر الديني لم يكن بعضهم قد قرأ المقال واكتفي باستقباله نقلا عن البعض فجاءت بعض التعليقات بعيدة عما ورد فيه,
وقد رفع من قدر التعليق أن ثلاثة من رؤساء تلك الجامعة العريقة وعميدين منها قد تفضلوا بإبداء آرائهم ولعلي استعيد في نقاط قليلة الفكرة الرئيسية لمقالنا السابق خصوصا, أننا لم نتعرض إطلاقا لفكرة التقسيم الجغرافي للجامعة الأزهرية المطروحة حاليا, بل طالبنا بضرورة عودة أوضاع الأزهر إلي سابق عهده ومجيد أيامه وزاهر عصوره بالتركيز علي كلياته الدينية وفصلها عن كلياته المدنية تعزيزا للأولي, خصوصا أن قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإعادة تنظيم الأزهر كان يهدف إلي الإصلاح
وتمكين تلك المؤسسة الدينية الكبري من نشر الدعوة في الأقطار الإفريقية والآسيوية ومواجهة الحملات التبشيرية, ولكن الذي حدث هو أن خريجي الكليات المدنية للأزهر الشريف قد انتشروا في أقطار الخليج العربي الإسلامية ولم يتجهوا الي الدول الإفريقية الفقيرة التي تنتشر فيها الوثنية, كذلك فإن مستوي الدعاة وخطباء المساجد قد تدهور بشكل ملحوظ فأصبحنا نجد خطبة الجمعة في كثير من المساجد حافلة بالأخطاء اللغوية والنحوية فضلا عن ضحالة الفكرة أحيانا, وضعف المستوي غالبا,
ولسنا ندعي بذلك أن كل خريجي الأزهر الحديث دون ما كنا ننتظر منهم, ولكن الأغلبية تبدو لي كذلك فضلا عن انصراف خريجي الثانوية الأزهرية عن الكليات الأزهرية الأصلية وهي الشريعة وأصول الدين واللغة العربية مضافا إليها كلية الدراسات الإسلامية ليهرولوا نحو كليات الطب والهندسة والعلوم والتجارة وغيرها من الكليات المدنية في تلك الجامعة العريقة, وهو ما أثر سلبا علي مستقبل الأزهر وخريجيه وكأننا نسينا أن كتب الغرب ودراسات المستشرقين
تسمي الأزهر الشريف' بأكسفورد الشرق' بسبب طابعه المتميز وتاريخه الذي يسبق معظم جامعات الدنيا, بل إن التقسيم العالمي للجامعات إلي كليات هو مستمد من فكرة' الرواق' التي عرفناها في أزهرنا الشريف وألغيناها للأسف في السنوات الأخيرة مع أنها كانت رمزا باقيا لشخصية الأزهر وريادته الدينية والعلمية! وبذلك انصرف مقالنا السابق إلي اقتراح بالتركيز علي الكليات الدينية للأزهر بمسماها التاريخي,
بحيث تكون مصدرا لتفريخ الدعاة وسبيلا لإصلاح الحياة وتجديد الروح الدينية خصوصا بعدما طرأ عليها من شوائب, وما تعرض له الإسلام من حملات ظالمة ولعلي أربط الكليات التقليدية بضرورة العودة إلي نظام الابتعاث للخارج والانفتاح علي الديانات الأخري والثقافات المتعددة, وهنا يجب أن نتذكر أن الإمام المصلح' محمد عبده' كان يتراسل مع الأديب الروسي' تولستوي' في عصرهما وأن الإمام' محمود شلتوت' كان داعية التقارب بين الشيعة والسنة, وأن الإمام' عبد الحليم محمود'
قد أعطي للتصوف بعدا إنسانيا وأخلاقيا يجسد روح الإسلام الحقيقية, كما أن الشيخ' المراغي' قد لعب دورا سياسيا في الحركة الوطنية المصرية بمواقفه من حزب الوفد ودوره مع القصر الملكي في أيام كان فيها الأزهر هو ملاذ الناس ومقصد المسلمين من كل أرجاء الدنيا حتي إن' عبد الناصر' قد ولي المشيخة لتونسي هو الشيخ' الخضر حسين' اعترافا بأممية الإسلام وعالمية الأزهر وقلنا في مقالنا إنه لابأس بعد ذلك من أن تتجمع كليات الأزهر المدنية تحت مسمي الجامعة الإسلامية
التي تقبل المسلمين وغير المسلمين أسوة بالجامعات الإسلامية الكبري في آسيا, وذلك للانفتاح علي الآخر وتأكيد وسطية الإسلام, وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص, وترسيخ مفهوم المواطنة, فما أكثر المسلمين الذين درسوا في مدارس الأقباط بمصر أو تخرجوا من الجامعات المسيحية في الغرب فالعلم المدني لا دين ولا وطن له وان كان للعلماء دياناتهم وأوطانهم واضعين في الاعتبار أن جامعة الأزهر العريقة بكلياتها الأصلية سوف تبقي جامعة شامخة وقلعة إسلامية لمن يريدون دراسة الدين الحنيف والتبحر
في العلوم الشرعية والدراسات الفقهية فللمسيحيين أيضا كلياتهم المتخصصة في' اللاهوت' والدراسات' الاكليريكية' كما يجب ألا ننسي أن الأزهر الشريف قد استقبل دارسين من غير المسلمين سعوا إلي مناهله العذبة وعلومه الرصينة كان منهم القبطي' ميخائيل عبد السيد' وغيره من أساطين الفكر والقلم, وقد طالبنا في مقالنا السابق بضرورة الارتفاع بمقام الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر حتي يتفرغ رمزا للدعوة والإفتاء والريادة الإسلامية بدلا من استغراقه في الشئون المالية والإدارية,
وهو أمر نربأ بمقام العالم الجليل عنه وهو الحبر الكبير رمز المسلمين وقبلة أهل السنة بل والشيعة أيضا في العالمين الإسلامي والعربي, ولعنا نطالب في النهاية بفتح باب الدراسات العليا في الجامعة الأزهرية الدينية لخريجي الكليات المدنية من المسلمين لتطعيم نوعية الدعاة وتخصصاتهم أسوة بما يجري في' الأحوزة الشيعية' ومعاهد الديانات الأخري, ولعلي أذكر هنا أن المفتي المستنير الدكتور' علي جمعة' حاصل علي الثانوية العامة وحاصل علي بكالوريوس التجارة قبل أن يتجه بعلمه ودراسته لخدمة الإسلام والمسلمين! وهكذا ترون أن مسعانا فيما كتبنا لا تقف وراءه دوافع غامضة, أو أفكار مبهمة, ولكنها الدعوة إلي إصلاح الأزهر ودعم المؤسسة الإسلامية الكبري في العالم وقصدنا واضح ـ يعلمه الله ـ فهي أفكار إسلامية ومصرية, وليست جزءا من أجندة خفية أو مخططات أمريكية إنما هي تعبير عن حرصنا علي الأزهر الشريف جامعا وجامعة إلي يوم الدين.
لبنان يتعافي
مازلت أشعر بالأسف أن ظروفا عائلية ضاغطة لم تمكني من تلبية دعوة السيد وزير الإعلام لزيارة' بيروت' ضمن الوفد الحزبي والشعبي في وقت كان القصف فيه يعصف بجنوب لبنان وشماله علي حد سواء, ولعلي أعود إلي ذلك البلد الجميل في الأيام القادمة لأشهد تجربة البناء والإعمار لشعب يجسد إرادة الحياة مثلما يجسد إرادة المقاومة, فلبنان عزيز علي قلب مصر, تكامل معها فكريا وارتبط بها ثقافيا واندمج فيها إنسانيا.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/9/5/WRIT1.HTM