لايستغرب أحد أن يكون اهتمامنا بالأزهر الشريف متزايدا خصوصا في هذه الأيام فهو قلعة الإسلام ومركز أهل السنة الذي يقدره الشيعة أيضا فلا نكاد نجد إجماعا دوليا علي مكانة مؤسسة دينية عالمية كبري مثلما هو الإجماع حول الأزهر الشريف سواء بين المسلمين أوغير المسلمين حتي إنني أذكر أن الحكومة النمساوية قد طلبت من مصر ـ عندما كنت سفيرا لبلادي في فيينا ـ أن يتولي الأزهرالشريف وعلماؤه المستنيرون إدارة الأكاديمية الإسلامية في العاصمة النمساوية علي نفقة حكومة النمسا وهي الأكاديمية التي افتتحها وزير الأوقاف ومعه رئيس جامعة الأزهر حينذاك, ولذلك فإن الإجماع حول الأزهر الشريف يدعونا إلي الاهتمام به والتركيز عليه والدعوة إلي مزيد من الإصلاح فيه كلما سنحت الفرصة, فمصر تباهي الأمم بأن لديها هذه القلعة الشامخة مثلما تعتز أيضا بالكنيسة القبطية باعتبارها أكثر الكنائس المسيحية التصاقا بالأصل وارتباطا بالحضارة المصرية, ولقد دفعني إلي الكتابة حول الأزهر الشريف الآن ـ وما أكثر ما كتبت عنه في السنوات الماضية ـ هو ماتردد حول وجود نية لتقسيم جامعة الأزهرالشريف إلي جامعات ثلاث إحداهما تختص بالكليات الموجودة في العاصمة وتختص الثانية بكليات الوجه البحري وتختص الثالثة بكليات الأزهرالشريف القائمة في الصعيد, وإني أستأذن الجميع في هذه المناسبة لكي أطرح رؤية شاملة لوضع الأزهرالشريف في إطاره اللائق ولعلي أطرح تصوري من خلال النقاط التالية:-
أولا: أنا ممن يعتقدون أن قانون تنظيم الأزهرالشريف الذي تقدم به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بنية خالصة ورغبة صادقة في إيجاد كوادر دينية تجمع بين علوم الدين والدنيا وتكون قادرة علي التأثير في المسلمين علي امتداد قارات العالم خصوصا القارة الإفريقية المعروفة بشيوع الوثنية ووجود الحملات التبشيرية فضلا عن ضعف المستوي الثقافي واجتياح الفقر لمجتمعاتها المختلفة, أقول إن هذا التنظيم قد أضر بالرسالة الأصلية للأزهر الشريف ووجه لخريجية ضربة قاصمة سوف نشعر بنتائجها كلما مرت السنون, ذلك أن الطلاب المتفوقين في الثانوية الأزهرية يهرعون إلي الكليات العملية بدءا من الطب والهندسة والعلوم والزراعة وغيرها من الكليات المدنية بينما لا يبقي لكليات الأزهر الدينية التقليدية وهي الشريعة وأصول الدين واللغة العربية ثم الدراسات الإسلامية إلا أصحاب النتائج المنخفضة في الثانوية الأزهرية وهو مايخلق اتجاها يؤدي بالضرورة إلي تدهور مستوي التعليم الأزهري التقليدي.
ثانيا: إنني لا أتصور ـ صراحة ـ أن توجد جامعة تدرس علوم الدنيا وتغلق أبوابها أمام جزء من نسيج الأمة خصوصا أن كل المصريين هم من دافعي الضرائب بغير تفرقة بسبب الدين أوالعقيدة, ومازلت أذكر أن وكيل وزارة التعليم الهندي قد ناقشني ـ عندما كنت مشرفا علي القسم القنصلي في سفارتنا في نيودلهي ـ بخصوص طالب من خريجي إحدي الكليات العملية بالجامعة الأزهرية وكان ينتمي لدولة الإمارات العربية الشقيقة ويعمل بالسلك الدبلوماسي لبلاده في الهند إذ رفضت الجامعات الهندية استكماله للدراسات العليا لديها بدعوي أنه خريج جامعة لايكتمل فيها مبدأ تكافؤ الفرص, بل ومازلت أذكر أنه قال لي إن الجامعة الملية الإسلامية في الهند تفتح أبوابها لمن يشاء من مسلمين وغير مسلمين كما أنه ذكرني بأنه كان من تقاليد الأزهر الشريف منذ أكثر من قرن مضي قبوله للدارسين الأقباط الذين يسعون إليه تجويدا للغتهم العربية ودعما لثقافاتهم الإسلامية, ومازلت أذكر ما تردد عن رغبة البعض في انضمام المفكر المصري الكبير الدكتور ميلاد حنا لمجلس كلية الهندسة في جامعة الأزهر تأكيدا لروح الوحدة الوطنية خصوصا وأن بعض أساتذتهم هم من تلاميذه الذين يعرفون قدره ويدركون مكانته ولكن الأمر كان مستحيلا بحكم لائحة الجامعة وكلياتها فلا الأساتذة ولا الطلاب مسموح بأن يكونوا من غير المسلمين وهذا في ظني عوار فكري ووطني لايرضي به الاسلام.
ثالثا: إنني أطالب وبوضوح بضرورة فصل الكليات الأزهرية الأصلية تحت مسمي جامعة الأزهر الشريف وتكون الدراسة فيها للمسلمين وحدهم لأنها دراسات دينية يقابلها علي الجانب الآخر كليات اللاهوت, والدراسات الإكلينيكية, بينما تندرج كليات الأزهر المدنية كلها تحت مسمي جديد هو الجامعة الأسلامية التي تفتح أبوابها لكل أصحاب الديانات بغيراستثناء وإن كنت لا أعترض علي اشتراطها حفظ قدر من القرآن الكريم للمتقدمين تأكيدا لسلامة لغتهم العربية وحفاظا علي شخصية الجامعة ذات الصبغة الإسلامية ويكون من أساتذتها مسلمون وغيرمسلمين فتلك رؤية عصرية يجب الانفتاح عليها تعزيزا لمبدأ المواطنة عندئذ نكون قد قمنا بخطوة كبري لإصلاح المؤسسة الدينية الأولي في الشرق الأوسط فليعد الأزهر الشريف إلي أهله الحقيقيين ولنواجه في شجاعة قرارا جريئا بانسلاخ كلياته المدنية تحت مسمي الجامعة الإسلامية في مصر.
رابعا: إنني لا أتصور أن ينصرف جزء كبير من وقت الإمام الأكبر ـ وهو ثمين ومطلوب ـ في مناقشة ميزانيات الجامعة أو تعيينات الكليات أو ترميم المعاهد الأزهرية فإغراق الشيخ في الشئون المالية والإدارية جناية حقيقية علي مكانته الكبيرة وخصم من تفرغه لقيادة مسيرة الدعوة والتنوير والإفتاء, لهذا فإنني أطالب بأن يرتفع مقام الإمام الأكبر ليكون في مكانه الطبيعي إمام لأهل السنة وداعية إلي دين الله.
خامسا: إنني أبغي مما قدمت من رأي وما طرحت من فكرة إلا رفع قيمة الأزهر والإعلاء من شأنه وإبعاد كل الملاحظات عنه لأنه هو تراثنا العريق وفكرنا الأصيل وقلعتنا الشامخة وما قصدته أيضا هو تعزيز مفهوم المواطنة من خلال تنظيم تلك المؤسسة الدينية العظمي وفقا لمنطق العصر وروح الإسلام مع رغبة عميقة في الحفاظ علي مستوي الدعاة والارتقاء بقدراتهم العلمية والثقافية بحيث يتصدر كليات الازهر التقليدية أوائل الثانوية الأزهرية, وهنا أقول أيضا وبكل شفافية وصراحة إن أوضاع المعاهد الدينيةـ وقد تجاوز عددها المئات ـ ـ تحتا ج إلي مراجعة حقيقية تركز علي الكيف دون الكم حتي لاتكون مجرد أبواب خلفية للصعود إلي كليات القمة المدنية في الجامعة الأزهرية علي حساب التعليم العالي والديني معا.
إن مصر التي تتباهيبأزهرها الشريف يجب أن تعطيه من العناية والاهتمام مايجعله صرحا إسلاميا عصريا يجذب القلوب ويستهوي الأفئدة بقدر مايشد العقول ويلفت الأنظار, فلقد كان الأزهرالشريف ومازال وسوف يظل منارة مضيئة تتألق بها مصر علي مر العصور.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/8/22/WRIT1.HTM