شغلت لعدة سنوات موقعًا برلمانيًا وصل بى إلى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية فى مجلسى الشعب والشوري، ثم انتخبت نائبًا لرئيس البرلمان العربى الذى كان يترأسه السيد محمد جاسم الصقر وهو إعلامى وعضو فاعل فى مجلس الأمة الكويتى وقررنا أن نقوم بجولة فى عدد من الدول العربية كان من بينها لبنان حيث التقينا الجنرال ميشال سليمان الذى كان قائدًا للجيش ومرشحًا للرئاسة، ثم مررنا بكل أطياف السياسة اللبنانية حتى بقى أمامنا حزب الله فطلبنا مقابلة زعيمه الشيخ حسن نصر الله وقيل لنا إنه غير موجود فى لبنان حينذاك وأن السيد نعيم قاسم نائبه سوف يستقبلنا وفقًا لإجراءات أمنية سوف نمر بها، وبالفعل دخلنا الضاحية الجنوبية لبيروت فى إحدى البنايات العلنية ثم أخذتنا سياراتهم فى طرق متعددة لم نر من ستائر الزجاج أين نحن حتى استقبلنا الشيخ نعيم قاسم، وجلس معنا فى أريحية ومودة لوقت طويل استعرض فيه مبادئ الحزب وسياساته كما عرج على مشكلاته وخلافاته وأمطرناه بالأسئلة عن علاقات الحزب بـ إيران وسوريا و بـ مصر والسعودية وتحدثنا معه حول إجابة سؤال يتردد وهو: أين يقف الحزب بين العرب وإيران؟ وقد شدد الرجل على عروبة الحزب وتوجهاته القومية وصموده أمام المشروع الصهيونى ودعمه المطلق للكفاح الفلسطينى المستمر، وكنت طوال الوقت أتأمل المكان والأشخاص وكان ذلك تاليًا لحرب 2006 التى خاضها الحزب ضد إسرائيل وشعرت يومها بأن الحزب ينظر إلى مصر نظرة خاصة فيها حياد وعتاب لا يخلو من انتقاد صامت على اعتبار أن نظرة القاهرة لـ حزب الله هى نظرة متحفظة تشعر أحيانًا بأن الحزب يجر المنطقة إلى مواجهات مسلحة دون ترتيب مسبق أو تنسيق مشترك، ولقد تركت تلك الزيارة فى ذاكرتى شعورًا لا يبرحه وهو أن حزب الله ليس محسوبًا فقط على إيران, ولكنه يكاد يكون امتدادًا له، وكنت أتأمل شوارع الضاحية الجنوبية عند عودتنا لأرى بعض الملصقات بالفارسية وصور المرشد العام للثورة الإيرانية تشير إلى أننا نعيش فى أجواء طهران ولسنا فى عاصمة لبنان، وأود هنا أن أسجل الملاحظات الآتية:
أولًا: إن هناك تنظيمات سياسية وجماعات شعبوية فى المشرق العربى الذى يضم الشام الكبير (سوريا الكبرى والعراق) ينظرون إلى مصر نظرة متحفظة لا تجعلهم أكثر اندماجًا معها مما هم عليه ولعل حزب البعث العربى الاشتراكى قد لعب دورًا تاريخيًا فى تكريس هذا الاتجاه، كذلك فإن التحفظ يمتد إلى موقف يجعل الشخصية المصرية ذات استقلال نسبى عن الشخصيات الأخرى ويدفعها بعيدًا بصورة تجافى الدور القومى لـ مصر وتضحياتها الجسام من أجل القضية الفلسطينية لذلك كان طبيعيًا أن نسمع فى أدبيات الغرب أحاديث متكررة تشير إلى تعبير مصر والعرب، ومازلت أتذكر أن الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا كان يسألنا فى استهجان شديد خلال الحفل السنوى الذى تقيمه الملكة للبعثات الدبلوماسية فى لندن: إنكم لستم عربًا، إن مصر حضارة ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ ويجب ألا يحمل اسمها صفة العروبة! وكنا ندهش لصراحة ذلك الأمير الكبير الذى ينحدر من دماء يونانية أعطته صراحة شعوب المتوسط وتلقائيتها، تذكرت كل ذلك وأنا ألاحظ ذلك القدر من الابتعاد عن مصر الذى شكلته أفكار البعث مرة وأفكار الحزب القومى السورى مرات.
ثانيًا: إن إدراك المصريين للبعد العربى لـ مصر إدراك لا يخلو من شيفونية مصرية يشعر بها الكثيرون، فالعربى يعرف عن مصر كل شيء والمصرى يعرف القليل عن أوضاع الدول العربية، وذلك أمر طبيعى فى العلاقة بين الدولة الكبرى والدول الأقل حجمًا ولكن السيادة متساوية على كل حال كما أن الندية قائمة.
ثالثًا: إن العالم الخارجى ينظر إلى مصر نظرة مختلفة أيضًا ولم تكن عبارات زوج ملكة بريطانيا عبارات طارئة بل هى تجسيد لفكر شائع يردد هذه المقولة فى المناسبات المختلفة لأن مصر بحضارتها الفرعونية تترك انطباعًا خاصًا تتميز به ويتحدث عنها وهو يطغى بالضرورة فى العقل الغربى على شخصيتها العربية بل والإسلامية أيضًا، لذلك فإن علينا أن نستثمر هذا البعد سياسيًا وسياحيًا على نحو يتجاوز ما نحن عليه.
هذه خطرات من ذاكرتى فى زيارة يتيمة لمقر حزب الله رغم أننى رأيت السيد حسن نصر الله مباشرة عام 2001 فى طهران عندما كنت ممثلًا للبرلمان المصرى فى مؤتمر دولى لنصرة القضية الفلسطينية حضرته فى العاصمة الإيرانية ورأيت زعيم حزب الله وهو يتصرف وكأنه فى بيته فأدركت وقتها أن العلاقة عضوية بين الحزب والدولة الفارسية.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/690258.aspx