لابد أن نعترف في البداية أن معلوماتنا عن تنظيم القاعدة قبل الحادي عشر من سبتمبر2001 كانت محدودة وربما معدومة فأنا أزعم أنني لم أسمع بها قبل ذلك الحادث الارهابي الضخم.. نعم كنا نسمع عن بن لادن والظواهري وكانت الاتهامات تشير إلي من يسمون بالعرب الأفغان وراء تفجيرات السفارة الأمريكية في كل من دار السلام ونيروبي كذلك كانت ممارسات حركة طالبان محل استهجان عام خصوصا عندما شرعت في تحطيم التماثيل البوذية واستعدت بذلك حضارة بكاملها ضد الإسلام والمسلمين
وكنا نقول إن حركة طالبان مثل جماعة بن لادن هما صناعة أمريكية في الأساس وإن وجودهما هو نتيجة للوجود السوفيتي السابق في أفغانستان وحركة المقاومة الإسلامية ضده وتفرغ عناصرها بعد الانسحاب السوفيتي من الأراضي الأفغانية للتركيز علي ضرب المصالح الأمريكية ووجودها في الشرق الأوسط وخارجه, لذلك فإنه يعترينا كثير من الدهشة عندما نكتشف أن تنظيم القاعدة حاليا أصبح من ضخامة التأثير بحيث يغطي قارات الدنيا كلها وتمتد عملياته من أستراليا و أندونسيا شرقا إلي الأمريكتين غربا مرورا بدول الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية, ويثور دائما التساؤل كيف تضخم هذا التنظيم بهذه الصورة وهل هناك مبالغة في تصوير حجمه والتهويل من قوته وفعاليته كمبرر لقيام بعملية مطاردة دولية للارهاب وعناصره في كل مكان أم أننا مازلنا نستهين بقدرات ذلك التنظيم وإمكاناته؟ إن الأمر في ظني يحتاج إلي مناقشة الأبعاد التالية:
أولا: إن صورة الإسلام أو لعلي أقول صورة المسلمين حاليا قد جري اختزالها في شخصية تنظيم القاعدة وأصبح غير المسلمين في الشرق والغرب يرون الإسلام والمسلمين من خلال منظور يربطهم بالإرهاب ويتجسد بشكل مباشر في تنظيم القاعدة, وذلك يوضح إلي أي حد تبدو جناية ذلك التنظيم علي الصورة المعاصرة للإسلام والمسلمين.
ثانيا: إننا ندهش لنجاح خطوط الاتصال بين عناصر ذلك التنظيم أفقية أو عمودية أو عنقودية ومن خلال الخلايا النشيطة أو النائمة رغم تكثيف جهود أجهزة الاستخبارات الغربية وفي مقدمتها الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية, وهو أمر يوحي بأن تنظيم القاعدة قد أصبح علي مايبدو خارج السيطرة رغم كل الجهود التي تحتشد ضده والإمكانات التي تواجهه
ثالثا: إن تنظيم القاعدة لم يعد يفرق في أهدافه بين مسلم وغير مسلم وبدت غايته الحقيقية هي ضرب المصالح الأمريكية وترويع الأنظمة في عدد من الدول العربية والإسلامية وتخويف الوجود الأجنبي في عدد آخر من مراكز وجوده وتأثيره فضلا عن استهدافه لمواقع معينة ترتبط بخططه القصيرة والبعيدة.
رابعا: إن ما جري في العراق قد خلق مركز جاذبية شديدة لعناصر القاعدة واتاح لها مسرحا للعمليات وبؤرة لممارسة أعمالها بصورة لم تكن متاحة من قبل ولذلك فنحن نعتقد أن التصعيد في أعمال العنف الذي يمارسه تنظيم القاعدة قد ارتبط طرديا مع وصول الوجود الأجنبي إلي العراق, حتي اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف إن كان بن لادن حيا أوميتا وهل الظواهري في أفغانستان أم باكستان وكيف يظل الزرقاوي حاليا داخل العراق في ظل الوجود العسكري والاستخبارات الأمريكية هناك.
خامسا: لقد عبر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي عن مخاوفه من وصول اليورانيوم المخصب إلي أيدي المتطرفين وهو مايعني حيازة تنظيم القاعدة وأشباهه لسلاح نووي ينقل الصراعات نقلة نوعية لم نكن نتوقعها من قبل وقد يكون بداية لكوارث حقيقية.
سادسا: إن الحديث عن عناصر ذلك التنظيم من نشأته ونموه واستفحال أمره هو أمر مازال حتي هذه اللحظة غامضا ومبهما فنحن لاندري إن كان الميلاد الحقيقي له مرتبطا فقط بالمقاومة ضد الوجود الشيوعي في أفغانستان وبدعم قوي ومباركة كاملة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الإسلامية أم أن الأمر يتجاوز ذلك حيث يبدو تنظيم القاعدة أحيانا وكأنه جزر منعزلة تربط بينها الأهداف والغايات ولكن لايوجد بينها تنسيق مستمر والمطلوب فقط هو توجيه الضربات في كل مكان مع إطلاق حرب نفسية تتمثل في شرائط مسجلة تبعث بها قيادة التنظيم بين الحين والآخر وهي التي مازالت مصداقيتها محل جدل حتي الآن.
سابعا: إن محاولة إيجاد صلة فكرية بين الجماعات الإسلامية الأخري مثل الجهاد والتكفير والهجرة و حزب التحرير الإسلامي بل وجماعة الأخوان المسلمين ذاتها باعتبارها التنظيم الأم وبين تنظيم القاعدة من الناحية النظرية علي الأقل لاتبدو أمرا سهل الإثبات بل إن القاعدة تنظيم ولد وترعرع في ظل ظروف معينة تختلف من حيث النشأة والتطور عن غيره من التنظيمات الإسلامية الأخري حتي وإن تشابه بعضها في الغايات والأساليب, كذلك فإن إثبات علاقة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي السابق أمر لم يتأكد حتي هذه اللحظة رغم كل المحاولات لإثباتها بسبب ما يحققه ذلك من أهداف سياسية تبرر الحرب علي العراق كما أن كل اللقاءات التي جري رصدها بين عناصر من القاعدة والنظام العراقي السابق كانت أقرب إلي الاستنتاجات منها إلي المعلومات.
ثامنا: إن تنظيم القاعدة يضم أشتاتا من عرب وآسيويين وغيرهم من المناطق الإسلامية الأخري بل إنني أضيف إلي ذلك أن هناك عناصر مساعدة قد لاتكون منتمية إلي الإسلام بالضرورة لكنها تلتقي مع أفكار التنظيم في عداء الولايات المتحدة الأمريكية وتعقب مصالحها كل أسبابه ومبرراته وقد تختلف الأساليب ولكن تتوحد الأهداف.
تاسعا: إن مصير بن لادن نفسه لايزال موضوع شك وليس هناك من يجزم بشكل قاطع أنه مازال حيا ويقود هذا التنظيم الضخم في هذه الظروف المعقدة بل إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير برغم شرائط التسجيل التي أشرنا إليها والتي يجري الدفع بها من وقت لآخر لأسباب قد يكون الهدف منها التمويه أو حتي التضليل.
عاشرا: إن أصابع الاتهام تشير تلقائيا الي تنظيم القاعدة عند وقوع حدث إرهابي في أي مكان من العالم وهو أمر يوحي بأن قدرات ذلك التنظيم ضخمة وأن التهويل من شأنها هو رد فعل للتهوين من قدرها في السنوات التي سبقت حادث نيويورك وواشنطن منذ سنوات قليلة.
** خلاصة ما أريد أن أذهب إليه من هذه السطور هو أن أعبر عن الحيرة التي نشعر بها أحيانا أمام تنظيم القاعدة من حيث الحجم والقدرات والفاعلية, فهو يبدو أحيانا وكأنه يطول بذراعيه كل مكان في العالم ويبدو أحيانا أخري وكأنه عفريت جري إطلاقه من القمقم ولم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة عليه فأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم, وفي ظني أن المسلمين مطالبون بالتدقيق في المعلومات المتاحة عن ذلك التنظيم لأن تشويه صورة الإسلام وفتح ملفات للعداء وإيقاظ الفتن النائمة كلها أمور أضرت بالعالمين الإسلامي والعربي بشكل غير مسبوق وتركت رواسب عنيفة في العلاقة بيننا وبين الغرب وأعطت مبررا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للقيام بعمليات تمشيط في كثير من دول العالم الإسلامي بحثا عن الخلايا اليقظة أو النائمة, ولا شك في أن الغموض الذي يحيط بتنظيم القاعدة والروايات التي تحاك حوله تحتاج هي الأخري إلي عملية تمحيص تضع ذلك التنظيم في حجمه الطبيعي وتدرس مستقبله علي ضوء المصالح العليا للمجتمع الإنساني وتحول دون تشويه صورة المسلمين بغير حق, وليس من شك في أن السنوات القادمة سوف تكشف من الحقائق مايثير الدهشة ويجيب عن كثير من التساؤلات المطروحة ويضع تنظيم القاعدة في إطاره الحقيقي دون تهويل أو تهوين.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2004/7/20/WRIT1.HTM