يتزايد الشعور بغيبة الخطاب العربي علي الساحة الدولية وافتقاره الي مقومات العصرية والوضوح والقدرة علي اقناع الاخر والتأثير في الغير وليس ما نقوله امرا جديدا ولكن يعبر عن وضع ملحوظ اصبح يتحدث عنه الجميع في محاولة جادة للنقد الذاتي والبحث في اسلوب مختلف للخطاب العربي العصري الذي يجب ان يتلقاه الغير باحترام واهتمام لا يبدو انهما متوافران له حتي الآن اننا ندافع عن قضية عادلة بينما يتبني الخصم وجهة نظر ظالمة ومع ذلك فإن المحامي الماهر قد يكسب القضية الخاسرة ويفقدها المحامي قليل الكفاءة مهما تكن عدالة قضيته وقد جاء الوقت الذي يجب ان نراجع فيه الخطاب الاعلامي العربي الذي يبدو احيانا متهرئا متهافتا ضعيفا يبدو اقرب الي الخطاب المحلي منه الي الرسالة العالمية التي لا تقف عند حدود ولا تمنعها حواجز فلكل عصر لغته ولكل خطاب عناصره ولكل رسالة شكل ومضمون أما الاحاديث المكررة والنغمة الرتيبة واللهجة التقليدية فإنها يمكن ان تصلح لحديث الداخل ولكنها لا تصمد امام المنافسة الاعلامية الضخمة التي جاءت بها القفزة الهائلة في عالم الاتصالات والطفرة الكبيرة في دنيا الفضائيات وأتذكر الان ان صحفيا شابا في الاهرام كان يتساءل منذ اسابيع عن جدوي الاحاديث المكثفة في الفضائيات العربية حول ما جري للعالم بعد الحادي عشر من سبتمبر2001 دون توجيه الخطاب الي الغير بلغته واسلوب تفكيره لذلك شعرت بمسئوليتنا في الخطاب من خلال محطات التليفزيون الاجنبية واسهمت بجهد متواضع- الي جانب غيري- في ذلك من خلال التحدث الي عدد من القنوات الامريكية والاوروبية في محاولة لخطاب الاخر والحوار مع الغير ولقد ناب رئيس مصر عن أمته كلها بعدد غير مسبوق من الاحاديث الصحفية والتليفزيونية للعالم الغربي واسرائيل والعالم العربي ومع ذلك ينبغي ان تكون هناك رسائل متوازية الي الاخر علي كافة المستويات توضيحا للحقائق ومنعا لتشويه الصورة ورفضا لمحاولات النفي الفكري والاقصاء السياسي ولقد وصلتني مؤخرا رسالة تحمل عنوانا استعرت منه عنوان هذا المقال فلقد أرسلت الي استاذة جامعية في كلية الاداب بجامعة عين شمس هي الدكتورة نهال النجار المدرس بقسم اللغة الانجليزية برسالة حول اعلام متحضر جعلت عنوانها' نحن نكلم انفسنا' وقد كانت تلك الرسالة التي جاءت علي غير معرفة مسبقة تحريضا مباشرا لي علي كتابة هذا المقال وتقول سطور رسالتها.. أقوم بتدريس الادب المقارن والنقد الادبي بالجامعةولكن عندما أقف لأحاضر, أدرس الادب او اللغة في سياق سياسي او اجتماعي او ديني ماذا سأقول لتلاميذي عما يدور حولنا فهم يتساءلون لماذا هذه الصورة السيئة لدي الغرب عن المسلمين والعرب سيدي.. عندي الاجابة ولكن اخشي علي تلاميذي وهم في مستهل حياتهم ولا اريد ان انقل اليهم مرارتي اين صوت العربي او المسلم الحق في الاعلام الغربي للأسف منعدم سيدي. لدينا البشر المتحضر الذي يمكنه ان يتكلم لغة الاخر ولكن للأسف بفكرنا نحن وعندما أقول بشر بمقدوره ان يعرف الاخر بديننا أعني سيدات ورجالا من مختلف المجالات: دين, أدب, فن بكل اشكاله رياضة, تعليم.. الخ.
سيدي الفاضل يمكنك ان تنادي بجمع العقول
Brainraising
المستنيرة التي يمكنها ان تتحدث للاخرين عبر قنوا,ت تصل اليهم فنحن نكلم انفسنا ونعيش وهما كبيرا هيأ لنا ان العالم من حولنا يعرفنا. نعم انه يعرفنا ولكنه لا يدركنا ولا يدرك حقيقتنا فهناك فرق كبير بين المعرفة والادراك, هو يخشانا او يحتقرنا وفي كلتا الحالتين هو شعور سلبي لا يقبله مسلم. قد يقول البعض هذا عظيم انهم يخشوننا.. هم يخشون همجيتنا( كما صورت لهم) وليس تحضرنا, هم يخشون قوة العقيدة ولكنهم لا يحترموننا. يجب ان يحترموا عقيدتنا وفكرنا من خلالنا.
سيدي. أكتب اليك لتساعدنا, تساعد ابناء جيلي الذين لهم قدرة التواصل مع الاخرين قدرة قوية وقادرة بإيمان وعقيدة وفكر مستنير يقبل الاخر ويستطيع ان يتحدث لغة الغير لغة القوة والاصرار علي الحق ولكن لا نملك السبل التي يمكن ان توصلنا بشكل صحيح الي ذلك الاخر. فقد اخترقنا حضاريا وثقافيا فهزمنا في عقر دارنا وقهرنا نتيجة ضعفنا واستسلامنا وعدم ايماننا بقوتنا, سيدي لقد حان الوقت لنخترق ونهزم, ان التخطيط الواعي وتمهيد الطريق للوصول الي هدف محدد يضمن تحقيق الاماني والاحلام مهما عظمت فما بات مستحيلا يصبح واقعا.
ان أبسط حقوق ديننا وأرضنا ان نسخر كل ما اوتينا من علم وقدرة علي التواصل لتنوير الاخر. ألم يحن الوقت لنفيق من هذه الغيبوبة لنوقظ العالم من حولنا فنحقق يقظتنا. هل حان الوقت لنتغلب علي هزيمتنا الحضارية؟! كانت هذه أجزاء من رسالة الاستاذة الجامعية التي تنتمي الي جيل غيور علي وطنه وامته ودينه ولعلنا لا نختلف كثيرا مع ما ورد في تلك الرسالة وان كان ذلك يقودنا الي الملاحظات التالية:
أولا: ان التوقيت الحالي لمحاولات اكتشاف صيغة عصرية لخطاب عربي اسلامي معاصر هو توقيت يبدو كسلاح ذي حدين فهو من الناحية الايجابية يشير الي قضية جوهرية نتحدث فيها منذ سنوات طويلة ولقد كتبت شخصيا حولها بضعة مقالات في مناسبات مختلفة وقد حان الوقت الذي يجب ان يصل فيه حديثنا الي غيرنا علي نفس موجات التردد الفكري التي يستطيع بها ذلك الاخر ان يستقبل رسالتنا واضحة مباشرة قوية أما الجانب السلبي فهو ذلك الارتباط الزمني بين ما جري في الولايات المتحدة الامريكية في الحادي عشر من سبتمبر وبين نبرة الخطاب العربي الاسلامي في هذه الظروف فأنا ممن يطالبون في حماس زائد بضرورة رفض محاولات التكتل تحت مظلة تداعيات حادثي نيويورك وواشنطن والسقوط أسري لفكر التعميم وفلسفة التصنيف ومحاولات الاقصاء فنحن نرحب بخطاب اعلامي جديد بل ونري ضرورة وجوده ولكننا نخشي في الوقت ذاته ان يتحول ذلك الخطاب الي محاولة دفاعية عن الذات والرد فقط علي دعاوي الغير اذ الأصل في الخطاب الاعلامي ان يكون له مضمون ايجابي يقوم علي ابراز نقاط الالتقاء الاساسية ومحاور الاهتمام المشترك من اجل خلق ارضية واحدة تجمع كل الاطراف بدلا من السقوط في فخ التقسيم وشرك العزلة.
ثانيا: ان الخطاب الاعلامي لا ينبع من فراغ ولا ينطلق من وهم بل يجب ان يعتمد علي مضمون رصين ومادة مؤثرة لذلك فإن الذين يوجهون انتقادات شديدة للاعلام العربي يقعون في مغالطة لابد الاشارة اليها اذ يستحيل علي الاعلامي ان يخلق رسالة قوية لا تستند الي مضمون قائم وحقيقة ملموسة وعلي سبيل المثال فقد كان يزعجني لعدة سنوات اهتمام محطات التليفزيون العالمية بالانتخابات البرلمانية الاسرائيلية مع تجاهل كامل لمثيلاتها في العالم العربي الي ان جاءت الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة حيث فوجئت بأنها قد احتلت مساحة معقولة في الاعلام الغربي لأن مصداقيتها أكبر من سابقاتها حيث أعطاها الإشراف القضائي الكامل قيمة ومكانة جعلت العالم يشعر ان الديمقراطية المصرية قد حققت نقلة نوعية يصعب الإقلال منها وخلاصة ما أريد أن أذهب إليه هو التأكيد علي أن مضمون الرسالة الإعلامية يجب ان يكون شيئا قائما علي أرض الواقع وليس مجرد عبارة جوفاء لا تستند الي حقيقة لأن فاقد الشئ لا يعطيه ولن تتغير' الصورة' مالم يتغير' الأصل'.
ثالثا: إن المؤسسة الدينية في العالم الاسلامي مطالبة أكثر من أي وقت مضي بمراجعة برامج الدعوة والبدء في عملية' الاصلاح الديني' إذا جاز التعبير فنحن في حاجة الي صحوة استنارة تبدو امتدادا لجهود الإمام محمد عبده وتلاميذه ممن استطاعوا التفرقة بين روح الاسلام السامية وتعاليمه النبيلة وبين الممارسات الخاطئة للمسلمين في كثير من الأزمنة والأماكن وإنه يحضرني في هذه المناسبة تلك العبارة الشهيرة التي تنسب لذلك الإمام المستنير بعد زيارته لفرنسا عندما قال( لقد تركت في بلادي' مصر' مسلمين بلا اسلام ووجدت في' فرنسا' إسلاما بلا مسلمين) وهو يشير بذلك الي شيوع الصدق مع النفس والأمانة في التعامل والدقة في التعبير التي اتسم بها الأوروبيون مقارنة بأوضاع المسلمين في عصور التدهور والانحطاط والتخلف بل إنني أذكر الجميع بالاتصالات الوثيقة بين ذلك الإمام العظيم وعدد من الرموز الفكرية العالمية الشامخة في عصره والرسائل التي تبادلها مع بعضهم تعريفا بالإسلام وتأكيدا لسماحته إننا نريد أن نتقدم نحو الاسلام لا أن نعود إليه لأنه يسبقنا بتحضره وسموه ورؤيته ولعلي استعير في ذلك مقولة بهذا المعني للملك الراحل الحسين بن طلال في إحدي خطبه.
رابعا: إن براعة بعض الدوائر الغربية في تشويه الصورة وإظهار العربي المسلم باعتباره الثري المقامر أو الارهابي الرعديد هي صورة ظالمة لصقت بنا وحجبت الكثير من ايجابياتنا وقد حان الوقت لكي نتخلص من هذه الصورة الكريهة وان نقدم العربي المسلم بصورة عصرية تضعه في مكانه اللائق وتعطيه قيمته المستحقة ولن نتمكن من ذلك دون تغيير اسلوب حياتنا والارتقاء بأوطاننا والخروج من دائرة الماضي والانطلاق نحو المستقبل من خلال تطوير التعليم وتصدير الثقافة وتوطين التكنولوجيا إذ أنه لا يستقيم أبدا أن يكون أبناء الحضارة العربية الاسلامية عالة علي الغير وعبئا علي الآخر كما ان الاسلام ليس ابدا هو' طالبان' التي تحرم المرأة من حقي التعليم والعمل وتمنع مشاهدة التليفزيون او الاستماع الي الراديو وهل يقبل الاسلام- دين الاستنارة- العودة إلي ظلمات العصور الوسطي وجهالات القرون البائدة
خامسا: إن إجادة اللغات الاجنبية وخصوصا الانجليزية مع التعرف الكامل علي أدواتها المناسبة في التفكير والتعبير هو أمر ضروري فاللغة كائن حي متطور وليست كيانا جامدا أصما فليس المهم أن يتحدث العرب اللغة الانجليزية فقط ولكن لابد من استخدام لغة العقل الغربي وأدواته فاللغة ليست مجرد مفردات ولكنها ايضا طريقة تفكير واسلوب تعبير يعكس نمط الحياة وطبيعة الشخصية القومية ومشكلة خطابنا الاعلامي الحالي الموجه الي الآخر إنه يتم غالبا من خلال التفكير عربيا والتعبير اجنبيا وهذه مسألة تحتاج الي عناية واهتمام تقتضيهما روح العصر وطبيعة الموقف ويجب ان نعترف هنا اننا قصرنا لعدة عقود مضت في تدريس اللغات الاجنبية للأجيال الجديدة في ظل الفهم الخاطئ للثورة الوطنية ورفض كل ما هو أجنبي تحت شعارات قومية وعبارات حماسية ولكننا نشعر حاليا بالرضا لأن الاهتمام باللغات الاجنبية قد عاد من جديد لكي يثير الاهتمام ويحتل أولوية لدي العرب لأن' من تعلم لغة قوم أمن شرهم'.
إن رسالة الاستاذة الجامعية التي دفعتني الي ما أكتب تأتي في وقتها وتعبر عن المحنة الحقيقية التي نشعر بها خصوصا وان محاولات عزلنا قائمة والحديث عن تقسيم العالم وارد والمواجهة بين الاسلام والغرب مطروحة ونحن لانريد شيئا من ذلك بل إنني أطالب بحوار أقوي مع الغرب في هذه الظروف خصوصا الولايات المتحدة الامريكية التي يبدو التركيز علي انتقادها محتاجا الي حكمة شديدة فالاسد الجريح لايفكر بعقله ولكنه يتحرك بانفعالاته ومازلنا في مرحلة ردود فعل الحادي عشر من سبتمبر وسوف نظل اسري لها لفترة غير قصيرة قادمة ولكن صوت العقل يجب ان يعلو بحيث نضع الولايات المتحدة الامريكية والغرب امام الحقائق في موضوعية وذكاء وحصافة- مع الابتعاد عن النظرة المتشنجة والصراخ الأحمق- حتي يدرك الجميع ان سياسة الكيل بمكيالين يجب ان تنتهي وان ازدواج المعايير امر مرفوض وان الولايات المتحدة الامريكية التي لم تنتهك سيادتها علي ارضها منذ التدخل البريطاني عام1812 يجب ان تدرك في عام2001 ان الذي يريد ان يقود العالم يجب ان يكون عادلا وألا يأخذ جانب طرف علي حساب حقوق الآخر, فالقيادة مسئولية والزعامة لها تبعاتها والدور العالمي الضخم لابد ان يقترن بقدرة علي حسم المنازعات وايقاف الظلم وردع المعتدي وليس امرا صعبا فالاصوات العاقلة تتزايد يوما بعد يوم في واشنطن والعواصم الاوروبية والآسيوية تدعو الي فهم أعمق للأسلام حتي ان مبيعات القرآن الكريم بترجماته المختلفة قد بلغت مؤخرا درجة غير مسبوقة كما ان الصراع العربي الاسرائيلي سوف يدخل مرحلة جديدة تدرك فيها الادارة الامريكية ان العدل يقضي علي الارهاب وان دفع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية سوف ينتزع من قوي التطرف مشروعية وجودها ومبرر اخطائها أننا نقول وبكل تجرد أننا لسنا ضد الشعب الامريكي وربما الشعب الاسرائيلي ايضا ولكننا ضد الممارسات الظالمة والانتهاكات العدوانية والانحياز المطلق للدولة العبرية علي حساب كل الحقوق الفلسطينية والقضية العربية وربما المصالح الامريكية ايضا وقد حان الوقت لكي نعكف- سياسيين ودبلوماسيين واعلاميين- للبحث في صيغة جديدة لخطاب عربي معاصر يواكب الاحداث ويدحض الاتهامات ويفند الادعاءات ويضعنا في درجة متساوية مع غيرنا علي خريطة عالم يبدو كل ما فيه مختلفا عما كنا نتصوره له أو نتوقعه منه.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2002/1/1/WRIT1.HTM