فى أولى جلساته مع مستشاريه، تحدث الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما» عن تصوراته العامة فى المرحلة القادمة عن السياسة الخارجية الأمريكية، فانبرى أقدم مستشاريه قائلًا: السيد الرئيس.. إن لنا مشكلة كبرى وأزمة ثقة معقدة مع العالم الإسلامى، وقد تكون أنت بأصولك التاريخية الأقدر على اقتحام المشكلة وتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والشعوب الإسلامية، خصوصًا أن سلفك الرئيس «جورج دبليو بوش» قد عبث بتلك العلاقة فى تعميمٍ خاطئ أدى بنا إلى دخول حروب فى «أفغانستان» و«العراق» وغيرهما، فقال «باراك أوباما»: لا بأس وأنا مستعد لمخاطبة الأمة الإسلامية لكى نبدأ فصلًا جديدًا فى العلاقة بينها وبين «واشنطن»، فانبرى مستشار آخر وقال: سيدى الرئيس إن وقع الخطاب الذى توجهونه للمسلمين يكون أكبر إذا انطلقت به من إحدى العواصم الإسلامية، وبدأ المستشارون يقترحون العواصم التى ينطلق منها خطاب الرئيس الأمريكى الجديد، فقال قائل: ليكن الخطاب موجهًا من «إسطنبول» عاصمة آخر خلافة إسلامية، وقال مستشار ثانٍ: بل الأوفق أن يصدر من الأرض المقدسة حيث مهبط الوحى ومنزل الرسالة فى «المملكة العربية السعودية»، وقال ثالث: بل إننى أقترح أن يكون ذلك من العاصمة «الإندونيسية» حيث أكبر تعداد لتجمع إسلامى واحد فى دولة بذاتها كما أنك يا سيادة الرئيس قد قضيت بعض سنوات الطفولة مع والدتك هناك، وانبرى مستشار آخر قائلًا: بل الأوفق أن يكون الحديث إلى المسلمين من مدينة «الدار البيضاء» المغربية على حافة المواجهة بين العالم الإسلامى والمحيط حيث الولايات المتحدة الأمريكية على الجانب الآخر، ولكن أقدم المستشارين انتصب واقفًا وقال: قد يكون كل ما قيل صحيحًا، ولكن الأوفق والأفضل لخطاب يوجه للعالم الإسلامى أن يكون من القاهرة عاصمة الأزهر الشريف، وانبرى الجميع يستحسنون الفكرة التى راقت للرئيس الأسبق «أوباما»، حتى ألقى خطابه التاريخى فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة فى يونيو 2009.
إننى أسوق هذه الحكاية لكى أدلل على القيمة التاريخية والمكانة التراثية لمدينة القاهرة التى أعتبرها - بكل ما لها وما عليها - أم المدائن، وأنا من السعداء بإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وأرى أن ذلك يمكن أن يكون أكبر هدية لقاهرة المعز، بحيث يجرى تفريغها من المؤسسات الحكومية والمبانى الإدارية، بل الوزارات المختلفة، حتى تبدو العاصمة الجديدة وكأنها الابن البكر للقاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية والخديوية، وعاصمة مصر عند ملتقى فرعى النيل، فهى مدينة ارتبط اسمها بالأحداث الكبرى والانتفاضات العظمى فى تاريخ الوطن المصرى، ويعنّ لى أن أسوق الملاحظات الآتية:
أولًا: إن القاهرة عاصمة ثقافية للعالمين العربى والإسلامى ولأفريقيا والشرق الأوسط، فيها تجد كل ما تريد من ثقافة وفن وأدب وعلم وجامعات ودور عبادة، فهى مدينة ما يزيد على ألف مئذنة، فضلًا عن أنها مقر الكاتدرائية المرقسية للأقباط الأرثوذكس، وهى المدينة التى خرج منها إشعاع الأزهر الشريف لكى يغطى الدنيا فى كل مكان، وأنا أتذكر الآن عندما طلبتنى وزيرة الخارجية النمساوية - وأنا سفير فى «فيينا» - لتطلب منى الموافقة على إنشاء أكاديمية إسلامية للأزهر الشريف فى فيينا تنفق عليها بالكامل حكومة النمسا من أجل تأهيل الدعاة للجاليات الإسلامية هناك قائلة إنهم لا يأتمنون على هذه المهمة الحساسة إلا علماء الأزهر الشريف.. والتقيت الوزيرة مرة ثانية أطلب أرضًا لبناء كنيسة للأقباط فى فيينا، وكان لى ما أردت، ويومها سألتنى الوزيرة: إن لدى فضولا.. هل أنت مسلم أم مسيحى؟ فقلت لها: أنا مصرى!.
ثانيًا: إن «القاهرة» تضم متاحف مفتوحة، بدءًا من شارع الهرم وصولًا إلى شارع المعز، وفيها القاهرة القديمة والأسواق العتيقة والمبانى التاريخية، ويكفى أن تقف بين مسجدى «الرفاعى» و«السلطان حسن» وتنظر إلى الأفق البعيد لترى التاريخ يطل عليك من كل اتجاه، فلم يكن «بونابرت» مبالغًا عندما قال - وهو يقف أمام أبى الهول ممتطيًا حصانه - لجنوده قبل موقعة الأهرام: إن أربعة عشر قرنًا تطل علينا من سماء هذه البقعة الفريدة، ويكفى أن تتمشى فى أحشاء القاهرة وترى حارة اليهود ووجود أحد عشر معبدًا يهوديًا بالقاهرة وحدها.
مرحبًا بالعاصمة الجديدة، وتهنئة للقاهرة فى السعى نحو استعادة شبابها وتألق دورها وإشعاعها التراثى ودورها التاريخى وتوهجها الثقافى، رحم الله عشاقها من «كامل زهيرى» إلى «جمال الغيطانى».. إنها بحق أم المدائن.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1377786