عاش العرب عدة عقود تحت وهم يعطى إحساسًا بأن مقاطعة دعوات الحوار أو الامتناع عن المشاركة فى المباحثات هى نوع من الانتصار، وتخيلت العقلية العربية أن ذلك الرفض هو أسلوب دبلوماسى يعبر عن الاحتجاج العام تجاه الموقف برمته وبالتالى يشكل انتصارًا لإرادة الدول العربية أمام الغير، وقد يكون ذلك جزئيًا صحيحا، فالرفض نوع من الاحتجاج السلبى ولكنه لا يشكل فى النهاية حصيلة مجدية لاسترداد الحقوق واستعادة ما جرى اغتصابه، أقول ذلك بمناسبة الموقف العربى من صفقة القرن المشبوهة والتى جرى الحديث عنها دون أن تكون لدينا تفاصيل واضحة أو وثيقة محددة تشير إلى مضمونها، ولكن لأن لدينا تراكمًا طويلًا من بالونات الاختبار والشباك المنصوبة للإيقاع بالحقوق الفلسطينية وتصفية القضية برمتها، لذلك كان من الطبيعى أن تكون الثقة معدومة والاحتمالات السلبية مفتوحة، إذ لم تتولد أزمة الثقة بين العرب فى جانب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا فى جانب آخر إلا نتيجة الممارسات الشريرة التى جرى اتباعها لاحتواء المنطقة واستغلال ثرواتها والسيطرة على الحكم فيها بدعوى حمايتها والوقوف فى وجه محاولات الاعتداء عليها، وقد برع الغرب فى ذلك تمامًا ونجحت إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة الأمريكية فى الانتقال من مرحلة العداء العربى الإسرائيلى إلى مرحلة التخويف العربى مما يفعله الجانب الآخر، وإذا كنا نتصدى اليوم لهذه المسألة الحساسة التى تتصل بتأرجح الموقف العربى بين الإيجابية والسلبية فإنه يتعين علينا بداية أن ندرك أن سلاح المقاطعة يرتبط بدبلوماسية العصر الناصرى وسنوات الحلم القومى والصحوة العربية فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهو سلاح معترف به دوليًا ولكن الأمور لا تؤخذ على إطلاقها بل لابد من دراسة كل حالة على حدة، فقد تؤدى المقاطعة الدبلوماسية إلى تحقيق فائدة للخصم الذى يكون الوقت فى مصلحته بينما يكون التواصل أحيانًا أكثر تأثيرًا فى استرداد الحقوق والمحافظة على الأوضاع وتأكيد الشرعية بين الدول، وعندما اقتحم السادات مسرح الأحداث الدولية بما سماه الهجوم بالسلام فإنه قد ضرب مثالًا مختلفًا عن سلفه عبد الناصر، ورغم الانتقادات الواسعة التى استقبلت بها بعض الجماهير العربية سياسات (كامب ديفيد) فإن الكثيرين قد أبدوا ارتياحهم لذلك النمط الإيجابى الذى لا يجعل سياساتنا العربية مجرد مجموعة ردود أفعال بل هو يعطى الإحساس بضرورة قياس السياسات قياسات دقيقة، ولعلى أطرح هنا بعض المحاور وأهمها:
عاش العرب عدة عقود تحت وهم يعطى إحساسًا بأن مقاطعة دعوات الحوار أو الامتناع عن المشاركة فى المباحثات هى نوع من الانتصار، وتخيلت العقلية العربية أن ذلك الرفض هو أسلوب دبلوماسى يعبر عن الاحتجاج العام تجاه الموقف برمته وبالتالى يشكل انتصارًا لإرادة الدول العربية أمام الغير، وقد يكون ذلك جزئيًا صحيحا، فالرفض نوع من الاحتجاج السلبى ولكنه لا يشكل فى النهاية حصيلة مجدية لاسترداد الحقوق واستعادة ما جرى اغتصابه، أقول ذلك بمناسبة الموقف العربى من صفقة القرن المشبوهة والتى جرى الحديث عنها دون أن تكون لدينا تفاصيل واضحة أو وثيقة محددة تشير إلى مضمونها، ولكن لأن لدينا تراكمًا طويلًا من بالونات الاختبار والشباك المنصوبة للإيقاع بالحقوق الفلسطينية وتصفية القضية برمتها، لذلك كان من الطبيعى أن تكون الثقة معدومة والاحتمالات السلبية مفتوحة، إذ لم تتولد أزمة الثقة بين العرب فى جانب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا فى جانب آخر إلا نتيجة الممارسات الشريرة التى جرى اتباعها لاحتواء المنطقة واستغلال ثرواتها والسيطرة على الحكم فيها بدعوى حمايتها والوقوف فى وجه محاولات الاعتداء عليها، وقد برع الغرب فى ذلك تمامًا ونجحت إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة الأمريكية فى الانتقال من مرحلة العداء العربى الإسرائيلى إلى مرحلة التخويف العربى مما يفعله الجانب الآخر، وإذا كنا نتصدى اليوم لهذه المسألة الحساسة التى تتصل بتأرجح الموقف العربى بين الإيجابية والسلبية فإنه يتعين علينا بداية أن ندرك أن سلاح المقاطعة يرتبط بدبلوماسية العصر الناصرى وسنوات الحلم القومى والصحوة العربية فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهو سلاح معترف به دوليًا ولكن الأمور لا تؤخذ على إطلاقها بل لابد من دراسة كل حالة على حدة، فقد تؤدى المقاطعة الدبلوماسية إلى تحقيق فائدة للخصم الذى يكون الوقت فى مصلحته بينما يكون التواصل أحيانًا أكثر تأثيرًا فى استرداد الحقوق والمحافظة على الأوضاع وتأكيد الشرعية بين الدول، وعندما اقتحم السادات مسرح الأحداث الدولية بما سماه الهجوم بالسلام فإنه قد ضرب مثالًا مختلفًا عن سلفه عبد الناصر، ورغم الانتقادات الواسعة التى استقبلت بها بعض الجماهير العربية سياسات (كامب ديفيد) فإن الكثيرين قد أبدوا ارتياحهم لذلك النمط الإيجابى الذى لا يجعل سياساتنا العربية مجرد مجموعة ردود أفعال بل هو يعطى الإحساس بضرورة قياس السياسات قياسات دقيقة، ولعلى أطرح هنا بعض المحاور وأهمها:
أولًا: إن المخاوف المطروحة لدى الجانب العربى عامة والفلسطينى خاصة تجاه صفقة القرن هى مخاوف مشروعة ومبررة لأننا تعودنا على الألغام السياسية فى طريقنا عبر العقود الماضية، بل إنهم يتصورون دائمًا ردود فعلنا مقدمًا، لقد نقلت الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى القدس وصاح العرب وارتفعت أصواتهم عدة أيام ثم جرى اختزان ما حدث فى ذاكرة الأمة دون تأثير على الحاضر، وجرى نفس الأمر بالنسبة لإعلان ضم الجولان إلى الأراضى الإسرائيلية ولم تنقلب الدنيا ولم يتغير العالم، فلِمَ لا تكون هناك صفقة يطرحها رئيس الصفقات رجل الأعمال القابع فى البيت الأبيض والذى تعامل طويلًا مع دول الخليج والمشرق العربى فى صفقات تجارية ومشروعات اقتصادية، فالمشكلة الفلسطينية لديه هى مشروع مثل المشروعات التى عرفها وغاص فيها وخرج منها، إنه يدخل إلى المنطقة بعقلية رجال الأعمال الذين يتصور بعضهم أحيانًا أن المال يشترى كل شيء بما فى ذلك ارتياح الأمم وسعادة الشعوب!
ثانيًا: إن الذى يؤرقنى حقيقة فى هذا الطرح الغامض لصفقة مبهمة هو أننا أعلنا جميعًا تقريبًا على الجانب العربى والفلسطينى رفض هذه الصفقة التى لا يبدو طرحها من حيث المحتوى والتوقيت مريحًا على الإطلاق، بل إن ما تناثر عن المحتوى وما ارتبط بالتوقيت إنما يؤكد أن فى الأمر أمرًا وأنها محاولة أخيرة لتصفية القضية الفلسطينية وتحويلها من زخمها السياسى إلى مشكلة اقتصادية قابلة للحل بالأرقام من أموال عربية أيضًا فى الغالب، وهكذا يخرج العرب والفلسطينيون (من المولد بلا حمص) وتستأثر إسرائيل بالحد الأقصى من مطالبها فى ظل تطبيع شامل ظهرت بعض ملامحه فى الشهور الأخيرة، فالموقف الإسرائيلى الأمريكى متسق مع إيمانهم العميق بأن الأمة العربية جسد بلا حراك، وأموال بلا عائد، وشعوب دون هدف، وأمة لا يرقى ضميرها إلى مستوى الأحداث الجسام فى التطورات الكبرى التى نشهدها كل يوم تقريبًا.
ثالثًا: قد تحتوى صفقة القرن على نصوص قانونية وعبارات براقة عن السلام والاستقرار وبناء القوة الذاتية فى الجانب الاقتصادى، ولكن ليس ذلك هو ما يريده الفلسطينيون أو العرب لأنه لا يوجد حتى الآن التزام قاطع على إسرائيل وحلفائها بالتوقف عن السياسات العدوانية والتوسعية، إن وقوف عدد من رجال القانون فى مواجهة مع صفقة القرن لا يكون قرارًا أحادى الجانب إذ إن الأسلوب الغربى فى الطرح سوف يتجاوز حدود الزمن مع الدول الأعضاء.
رابعا:لا يخفى على أحد أن عشرات بل مئات من المتابعين للتحولات الجديدة فى النظام التعليمى لدينا والمراجعة الإيجابية لأطر الثقافة العربية ومواثيقها يتأكدون يومًا بعد يوم من أهمية التعليم لأنه هو بحق قاطرة التقدم وبوابة المستقبل الذى سوف يغير تركيبة العقل المصرى بدءًا من الطفولة حتى نتمكن من الوصول إلى أبعاد المواقف المعقدة فى عالم اليوم دون هروب منها أو تجاهل لها، لأننا قادرون دائمًا على طرح آرائنا وتقديم المبادرات الحاسمة فى هذا الشأن، لذلك كله فإننى من دعاة تأكيد مواجهة المشكلات وقبول التحديات واتخاذ مبادرات من جانبنا بحيث يكون لدينا قدر من اتخاذ المواقف المتسقة مع آمالنا والمرتبطة بغاياتنا، أما سياسات القطيعة والتجاهل وإنكار الواقع فقد كلفتنا الكثير على المستويات المختلفة داخليًا وإقليميًا ودوليًا وجاء الوقت الذى نقتحم فيه ما هو مطروح على الساحة ونتخذ منه مواقف تمضى مع الثوابت ولا تهتز للضغوط ولا تقبل أنصاف الحلول، حتى لا نضيف إلى الفرص الضائعة فى تاريخنا فرصًا جديدة، فلقد أنضجتنا التجارب وعركتنا الظروف وأصبحنا بحق نملك زمام أمورنا ونعرف ما يحاك لنا، ومع ذلك فسوف نظل ننشد دائمًا العدل والحق والسلام.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/714432.aspx