ارتبطت دائمًا بمجموعة السفراء العرب الذين يمثلون دولهم فى القاهرة بما فى ذلك مندوبو تلك الدول بجامعة الدول العربية، وعندما كنت سفيرًا فى الخارج كنت أعطى الدائرة العربية الاهتمام الأكبر باعتبارها الدائرة الأولى للدولة المصرية منذ أن وضع عبد الناصر مصر فى مكانها الطبيعى فى ظل العروبة السياسية، بعد أن كانت العروبة بالنسبة لمصر بعدًا ثقافيًا فقط، وعندما تحمس مصطفى النحاس زعيم الوفد لإنشاء جامعة الدول العربية كان ذلك تعبيرًا عن الاصطفاف العربى بمباركة بريطانية ودون مضمون قومى واضح.
أعود الآن إلى تلك الكوكبة من السفراء العرب فى القاهرة فنجد أن السفير السعودى دائمًا يكون محط الأنظار بسبب تعلق المصريين الهائل بأداء فريضة الحج والرغبة الدائمة فى القيام بالعمرة، وقد انتهت خدمة السفير السعودى السابق هشام الناظر عام 2011 ثم لقى وجه ربه عام 2015، وقد تولى المنصب من بعده السفير أحمد قطان الذى كان مندوبًا للمملكة العربية السعودية لدى الجامعة العربية منذ عام 2005 فأصبح يحمل الحقيبتين منذ عام 2011 فى تركيبة غير مسبوقة، إذ إن ميلاد جامعة الدول العربية ذاته قد جاء نتيجة توافق مصرى سعودى حيث اتفق العاهلان الملك عبد العزيز والملك فاروق على تصور مشترك لقيام الجامعة بحيث رفع العاهل السعودى الراحل تحفظاته وطلب أن يكون الأمين العام الأول مصريًا وهو عبد الرحمن عزام، وفى ظنى أن العلاقات بين البلدين الشقيقين قد شهدت فى السنوات الأخيرة تقاربًا وتفاعلًا خصوصًا على الساحة المصرية، وقد يقول البعض أن شهادتى مجروحة لان علاقتى بالسفير أحمد قطان ــــ وهو عميد السلك الدبلوماسى العربى تذهب إلى ما يزيد على ربع قرن ولكن فهمه للشخصية المصرية ومعرفته الكاملة بطبيعة شعبها جعلته قريبًا من الشارع المصرى مع قدرة كاملة على التحرك السريع من القمة إلى القاعدة فى المجتمع المصرى الكبير، ولقد تابعته وهو يقيم فى شهر رمضان سبع موائد إفطار كبرى تضم السياسيين والدبلوماسيين والإعلاميين ورجال الأدب والفن بالإضافة إلى علماء الدين وكل رموز المجتمع المصرى بكل أطيافه إيمانًا بأن بلاده تدعم مصر بوضوح منذ عهد الملك الراحل عبد الله وصولًا إلى عهد الملك الحالى سلمان فكلاهما قام بتنفيذ وصية والده قبيل وفاته عندما قال لهم (انظروا إلى مصر فإن كانت بخير فنحن جميعًا كذلك، وإن أصابها مكروه فقد أصابنا أيضًا)
ولقد لاحظت أن السفير قطان يتجاوز خلافات بعض القوى السياسية المصرية التى حاولت توظيف مسألة جزيرتى تيران وصنافير توظيفًا سياسيًا فى إطار الأوضاع الداخلية المصرية، وقد جعل السفير اسم (رياض النيل) علامة لصالون شهرى بدأه بالشاعر الكبير فاروق جويدة ضيفًا متحدثًا ثم فضيلة الدكتور محمود زقزوق وزير الأوقاف الأسبق ثم كنت المتحدث فى جلسة الصالون فى شهره الثالث حول موضوع العلاقات المصرية السعودية ولم يمنعنى وجودى على أرض سعودية فى بيت السفير بالقاهرة وفى حضور كوكبة متميزة من الساسة والدبلوماسيين والعلماء من أن أتحدث بموضوعية كاملة عن تلك العلاقات المهمة حتى تحولت الجلسة إلى حوار راقٍ بلا مجاملات معتادة أو شعارات عاطفية حتى نثبت للجميع أن العلاقات بين البلدين الشقيقين غير قابلة للاهتزاز لأنها قد تحصنت ضد المواجهات مثل تلك التى حدثت فى عصرى محمد على وجمال عبد الناصر، ولقد كان من بين الحاضرين فى تلك المحاضرة بعض السفراء العرب فى مقدمتهم سفير الإمارات العربية المتحدة الجديد فى القاهرة ومندوبها لدى جامعة الدول العربية المهندس جمعة مبارك الجنيبى كما حضر تلك الأمسية سفير الجزائر نذير العرباوى وهو شخصية لامعة وصديق عزيز كان بطلًا رياضيًا فى شبابه وهو يتمتع بفهم عميق لطبيعة العمل العربى المشترك والعلاقات التاريخية المتينة بين مصر والجزائر، ولقد كنا مودعين قبل ذلك بأيام سفير المغرب المثقف محمد سعد العلمى وقبله بأسابيع قليلة غادرنا سفير لبنان المفكر العربى الدكتور خالد زيادة كما ترك القاهرة السفير العمانى خليفة الحارثى الذى أقام شبكة علاقات طيبة فى العاصمة المصرية حتى صدر الأمر السلطانى بتعيينه مندوبًا لبلاده لدى الأمم المتحدة فى نيويورك.
إن ما أريد أن أقوله اليوم هو أن السفراء العرب هم امتداد طبيعى للروح المصرية فى إطارها القومى وهم حراس للمنظمة العربية الإقليمية ـــ جامعة الدول العربية ـــ التى استقبلت هذا الأسبوع أمينها العام الثامن منذ نشأتها وهو الدبلوماسى المصرى المرموق أحمد أبو الغيط، ولا أنسى أن لدينا سفراء أجانب يرتبطون بمصر ارتباطًا شديدًا ويجيدون العربية كأهلها، إننى أتذكر دائمًا سفير النمسا (جورج شتيلفريد) الذى تربى فى مصر وكان سفيرًا للنمسا فى الكويت قبل أن يأتى إلى القاهرة وأنا أتعامل معه دائمًا بحكم موقعى رئيسًا لجمعية الصداقة المصرية النمساوية كذلك أوفدت استراليا السفير(نيل هوكنز) الذى يجيد العربية كأهل مصر تمامًا وبينى وبينه مداعبات دائمة بمنطق الصداقة والاحترام المتبادل.
هذه كوكبة من السفراء عرب وأجانب وفدوا إلى مصر التى تستهوى كل من يعمل بها فأنا لا أنسى أيضًا علاقتى الوثيقة بالسفير الهندى الذى دعانى لكتابة مقدمة لمجلة صوت الشرق التى تصدر بالعربية ولا أنسى العلاقات الطيبة بالسفيرين الفرنسى والبريطانى وصداقتى مع السفير بشر الخصاونة سفير الأردن امتدادًا لعلاقتى القوية بسفير أردنى سابق هو د. هانى الملقى رئيس وزراء الأردن الحالي، ولابد أن أسجل بشيء من الرضا والارتياح أن معظم هؤلاء السفراء الأجانب والعرب يشرفوننى بزيارتهم لى فى مكتبى بوسط المدينة رغم أننى لا أشغل منصبًا رسميًا ولا موقعًا وظيفيًا ولكنه حوار العقول وتبادل الأفكار والإحساس المشترك بمسئوليتنا جميعًا كبشر تجاه قضايا الأمن والسلام فى هذه المنطقة من العالم.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47342
تاريخ النشر: 19 يوليو 2016
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/538412.aspx