ما أكثر الكتب التى تصدر والإهداءات التى تصلنا من مؤلفيها الكرام ولقد رأيت أن أتعامل مع بعضها بين حين وآخر حتى أضع القارئ معى فى الصورة مما أراه بين سطور تلك الكتب القيمة، ولعلى أبدأ بكتاب له أهميته وقيمته وأعنى به كتاب (الربيع العربى .. ما له وماعليه) وتكمن قيمة هذا الكتاب من كم المعلومات ونوعية الوثائق التى يحتويها، ولا عجب فالمؤلف كاتب له أهميته هو اللواء صفوت شاكر الذى كان محافظًا لقنا وقد بدأ حياته ضابطًا بالقوات المسلحة ثم عمل بالمخابرات العامة ثلاثين عامًا كاملة حتى أصبح رئيسًا لهيئة الأمن القومى ثم نائبًا لرئيس ذلك الجهاز صاحب التاريخ العريق والخبطات المشهودة، وعندما استعرضت هذا الكتاب الفريد لفتت نظرى حقائق أبرزها المؤلف بين صفحاته إلى جانب معلومات قيمة لا أظن أنها احتشدت بين سطور كتاب واحد من قبل، وفى هذا الكتاب يرصد صفوت شاكر حقائق ومواقف ومعلومات انتقى منها مايلي:
يرصد الكاتب – فى ثراء فكرى وغزارة معلوماتية – الأسباب والمقدمات التى ارتبطت بحالة الربيع العربي، وكيف أن ما جرى لم يكن مصادفة صنعها حرق الشاب التونسى (بوعزيزي) لنفسه أو بداية الشرارة ولكن الأمر أسبق من ذلك وأعمق وله إرهاصاته فى تاريخ المنطقة بل وفى التاريخ الإنسانى الذى يمثل الخلفية التآمرية أحيانًا فى السياسة الدولية المعاصرة، وهو يوضح بجلاء أن ثورات الربيع العربى كان مخططًا لها من قبل، ويطرح المؤلف سياقًا تاريخيًا متجانسًا للوصول إلى ذلك الحدث الكبير. يشير الكاتب بحق إلى الجهود الغربية لتقسيم المنطقة ورسم خريطة دولها وفقًا للمصالح والأهواء على حساب إرادة شعوبها كما حدث بعد نهاية الحرب العالمية الأولى والتى تجلت فى اتفاقية (سايكس بيكو)، ثم وعد (بلفور) البريطانى بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين وهو أمر سبقته اتفاقية لندن1840 التى حجمت الوجود المصرى فى المنطقة وسمحت لمحمد على بولاية مصر له ولأولاده على ألا يكون له m[mv فى الشام أو الحجاز أو شرق إفريقيا أو جزر البحر المتوسط.
إن مشروع (برنارد لويس) يبقى مثارًا للتأمل وهو المشروع الذى وافقت عليه إحدى لجان الكونجرس عام 1982 ويقضى بتقسيم الدول الإسلامية والعربية وتمزيقها إلى دويلات صغيرة ومنها مصر التى اقترح لها أستاذ التاريخ السياسى العالمى الصيت اليهودى الديانة تقسيمها إلى أربع دويلات! وكانت قد سبقته أفكار مشابهة منها مؤتمر (بانرمان) نسبة إلى (كامبل مانرمان) رئيس وزراء بريطانيا وهو مؤتمر بدأ عام 1905 فى لندن وانتهى بوثيقة (كامبل) عام 1907 التى تتضمن توصيات تدعو إلي:أ- تقسيم المنطقة والحيلولة دون أى توجه وحدوى لها. ب- حرمان الدول العربية من التقنية الحديثة وفرض التخلف السياسى والثقافى عليها. ج- إشعال الفتن واستخدام الأقليات العرقية والاختلافات الدينية لمزيد من التفتيت داخل الدولة الواحدة. د- زرع الكيان الصهيونى امتدادًا للمصالح الغربية ليستنزف جهود المنطقة وثرواتها ويخلق حالة من عدم الاستقرار فيها.
يطرح الكاتب ــــ باطلاع واسع ورؤية بعيدة ــــ علاقة الإخوان بالماسونية، ويشير إلى نص مقال سيد قطب وعنوانه (لماذا صرت ماسونيًا؟) فى جريدة التاج المصرى وقد كانت هى لسان حال المحفل الماسونى الأكبر فى مصر، ثم يتعرض المؤلف إلى ما كتبه المفكر المصرى الكبير عباس محمود العقاد وأشار فيه – من وجهة نظره – إلى الأصول اليهودية للشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
يتعرض الكتاب لموقف جماعة الإخوان المسلمين من أحداث الربيع العربى مقدمًا لذلك بعلاقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى ومنها بريطانيا وتركيا وقطر.
يشير صفوت شاكر فى كتابه الرائع والعميق والمحورى إلى الجمعيات غير الحكومية ودورها كمنظمات أمامية لتحقيق سياسة الفتح من الداخل والمسماة وفقًا لأدبيات الثورات المعاصرة حروب الجيل الرابع والتى تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ رئاسة (رونالد ريجان) ويشرح طبيعة الدورات التدريبية لإعداد شباب بعض الدول فى الخارج تمهيدًا لدور مرتقب كانت ثورات الربيع العربى إحدى تجلياته، ويتعرض المؤلف إلى الجهات التى تولت تدريب شباب بعض الدول على القيام بثورات فى أوطانهم ويشير إلى مركز الاستراتيجيات التطبيقية اللاعنفية (كانفاس) الذى تأسس فى صربيا عام 2002 والذى تلقى دعمًا ماليًا ولوجستيًا من دول غربية. يتساءل الكاتب عن (جاريد كوهين) الإسرائيلى الأمريكى وما هو دوره فى تدريب شباب بعض الدول على التمرد وتحقيق الحشد الضخم باستخدام وسائل الاتصالات الحديثة.
يقول المؤلف إن خسائر ثورات الربيع العربى بلغت أكثر من 833 مليار دولار!
تعطى مقدمة الكتاب مؤشرًا لأسباب أطماع أوروبا والغرب ثم الولايات المتحدة فى المنطقة ويتعرض المؤلف لنظرية الفوضى الخلاقة ودور المحافظين الجدد ومراكز البحوث فى كل ما جري. إذا كنا لا نختلف على الكاتب المتميز فى معظم ما ذكره إلا أننا نضيف أنه لم يكن لذلك كله أن يتحقق لولا شيوع الفساد وشدة الاستبداد فى أنظمة سياسية انتهى عمرها الافتراضي! تحية للكتاب المحورى وللكاتب الخبير والمستنير.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47391
تاريخ النشر: 6 سبتمبر 2016
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/549626.aspx