فقدت مصر والحياة الثقافية واحدًا من ألمع أبناء جيله، وأعنى به الأستاذ الجامعى الراحل إبراهيم البحراوى الذى كان نموذجًا متفردًا فى العطاء الفكرى والتواصل مع الناس، وجمع فى شخصه بين الدراسات الأدبية واللغوية والعلوم الاجتماعية فى مزيج سياسى متفتح ورؤية واضحة، جمعتنى به مسارات الحياة لسنوات طويلة وفوجئت برحيله بعد يوم واحد من محادثة هاتفية بيننا.. وداعًا لقيمة فكرية فقدتها جامعة عين شمس والصحافة المصرية، وقد علمت أيضًا أننا فقدنا الأستاذ الدكتور عبدالصبور فاضل، عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة الأزهر، الذى كان مفعمًا بالأمل مليئًا بالحيوية، عرفته منذ سنوات قليلة عندما جرى ضمه إلى لجنة التثقيف العام فى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والتى أشرُفُ برئاستها وتضم كوكبة من المفكرين والعلماء المعنيين بتبسيط المصطلحات السياسية والقضايا الفكرية والتوفيق بينها وبين الرؤية الدينية الصحيحة بتكليف مباشر من فضيلة وزير الأوقاف ودعم من كل أصحاب الخبرات فى مجال الدعوة ومجال الإصلاح، ولقد كان الدكتور عبدالصبور- الذى فقدناه فجأة منذ أيام- ملء السمع والبصر متحدثًا ومحاورًا ومناقشًا، وكان يمثل أمامى صورة لعلماء شباب من جامعة الأزهر ضربوا بسهم فى العلوم المختلفة والمعارف المتعددة وأصبحوا طرفًا فى التفاعل الفكرى والثقافى بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة يتصدرهم الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق- وهو شخصية مرموقة ومفكر متميز- أدى اليمين الدستورية فى أربع وزارات فأسميته مداعبًا- وهو صديق عزيز- (صابر الرباعى)! وبالمناسبة فهو صديق مشترك بينى وبين الراحل الدكتور إبراهيم البحراوى الذى فقدناه عالمًا ومفكرًا وأخًا وصديقًا، وقد تبع د. عرب فى الوزارة تلميذه الأستاذ الدكتور عبدالواحد النبوى وهما ينتميان إلى قسم التاريخ فى كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، تتلمذا على يد الراحل الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الشناوى، أستاذ التاريخ، الذى كان معنيًا بالعصر العثمانى وتوابعه وله فى ذلك مؤلفات تعتبر هى العمدة فى موضوعه، ولابد أن أعترف لجامعة الأزهر بالتميز والتفوق فى عدد من المجالات الدراسية الحديثة وأتذكر هنا كلية اللغات والترجمة فى تلك الجامعة العريقة التى صادفت أحد خريجيها وهو الأستاذ حسن بارود، المقيم فى فيينا منذ أربعين عامًا، بعد تخرجه فى تلك الكلية الفريدة واكتشفت أنه أرقى من عرفت فى اللغات الألمانية والإنجليزية والعربية فسعيت إلى ضمه موظفًا محليًا فى السفارة المصرية بالعاصمة النمساوية، ومازال يمارس عمله هناك لما يزيد على عشرين عامًا كان فيها ولايزال خير عون للعمل الدبلوماسى المتميز بسبب ما امتلكه من ميزات اكتسبها من دراسته فى كلية اللغات والترجمة، لذلك فإن رحيل عبدالصبور فاضل يذكرنى بكل هؤلاء ويمثل بالنسبة لى صدمة شخصية، خصوصًا أنه كان معى فى ندوة ترأسها فضيلة المفتى قبل رحيل ذلك العميد الأسبق لإعلام الأزهر بيومين فقط، وقد جاءنى ذات يوم ذلك الأستاذ الجامعى الراحل يطلب منى المشاركة فى مناقشة رسالة للدكتوراة بكلية الإعلام فى جامعة الأزهر، ورغم أننى أعتذر عن معظم المناسبات التى أدعى إليها حاليًا بسبب ضيق الوقت والرغبة فى الإقلال من الارتباطات الإضافية منذ توليت عملى فى مكتبة الإسكندرية إلا أننى أمام ضعفى تجاه ذلك الصديق الراحل ناقشت معه الرسالة وأمضيت فى الكلية نصف يوم كامل سعدت فيه بما رأيت وأدركت أن التطوير الحقيقى يدب فى أوصال جامعة الأزهر ويقودها مخلصون من أبنائها تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب المعروف بعلمه وتوازنه واحترامه لذاته، لذلك يسعى دائمًا إلى مؤتمرات دولية ولقاءات فكرية يحضرها رئيس الدولة شخصيًا تقديرًا منه للأزهر جامعًا وجامعة وشيخًا.
إن رحيل عبدالصبور فاضل قد ترك فى نفسى غصّة قد لا تمحوها الأيام بسهولة، فلقد كان الرجل فى مقتبل العمر لديه آماله العلمية وأحلامه الفكرية وتطلعاته المشروعة، ولكن الموت «نقاد على كل كف يختار منها الجياد»! فرحيل العميد الأسبق لإعلام الأزهر والذى ارتبط بإنشاء تلك الكلية الوليدة لتخرج إلى النور الساطع واحدة من كليات أعرق جامعات العالم على الإطلاق، إن الأزهر لديه ما يفاخر به وما يعتز بوجوده، وأنا على يقين أن أفواجًا أخرى من أبنائه سوف يتصدرون الحياة العامة ويمخرون عباب بحار الفكر والثقافة والأدب والفن رغم الأمواج المتلاطمة والظروف شديدة الحساسية بالغة التعقيد.. رحم الله الأستاذ الفاضل عبدالصبور فاضل الذى فقدناه قبل رحيل الدكتور إبراهيم البحراوى فكان الحزن مشتركًا والألم مرتبطًا والخسارة فادحة ولكنها سُنة الحياة وفلسفة الكون، وقبل ذلك كله إنها إرادة الله!
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1459420