يجب أن تواجه الإنسانية مستقبلها فى شجاعة، فبرغم أننا فى عصر شهد تقدمًا كاسحًا فى البحث العلمى الذى استفاد منه البشر بشكل واضح فى القرون الأخيرة إلا أننا على الجانب الآخر نواجه نمطًا من التفكير الشرير الذى جرى تركيزه على تصنيع السلاح، ونهب الثروات، وتكديس الأموال، والتلاعب فى الأسواق النقدية، وفرض منطق القوة بديلًا لمنطق العدل، ومفهوم السيطرة بديلًا لمفهوم التضامن، ولقد كشفت أزمة وباء كورونا عن ذلك الجزء المسكوت عنه من التفكير الشرير للعقل البشرى، وبداية فإننى أسجل أننى لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة على إطلاقها ولكننى فى الوقت ذاته مؤمن تمامًا بأن هناك قوى لا أخلاقية تنتسب لأبيها الشرعى (نيكولا ميكافيلى) الذى جعل الغاية تبرر الوسيلة، وفصل الأخلاق عن السياسة، وأوصى الأمير بأن يبحث عن مصالحه بكل الطرق دون أى اعتبارات أخلاقية،
ولقد كشف التاريخ الحديث عن تجمعات غامضة ومنظمات مجهولة فالذين تخصصوا فى دراسة اجتماعات المحفل الماسونى وأدركوا أسلوب تفكير أولئك الذين قالوا فى استهلال ما يفعلون: (باسم مهندس الكون الأعظم) فهى دعوة ترى نفسها (فوق دينية) تجمع البشر على مفاهيم ثابتة ومعتقدات غامضة انطلقت منها جماعات متعددة وتناثرت عنها أفكار شتى، ولا يقف الأمر عند حدود الماسونية التى قد نبالغ أحيانًا فى تعظيم دورها بل هو يتجاوز ذلك إلى التحالف المالى الهائل بين مؤسسات أمريكية فى مقدمتها (روكفلر) و(روتشيلد) و(فورد) وغيرها من المؤسسات المالية العملاقة التى تعاظم دورها فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وأمسكت بزمام الصناعة واحترفت توظيف المال لخدمة أهداف سياسية تلتقى فيها مع أجهزة التخابر السرية فى بلادها وفى بلاد أخرى، ولقد كان ميلاد الحركة الصهيونية فى جانب وميلاد حركة (التأسلم السياسى) فى جانب آخر رافدين متوازيين يلتقيان مع ذلك النهر الشرير فى اتجاه واحد، ومن هذا المنطلق تصبح أسئلتنا مشروعة وأوهامنا غير ممنوعة لأننا نرى فى الأفق القريب مخاطر ضخمة تتهدد الجنس البشرى والتى سبقتها أحداث جسام فى مطلع القرن الحادى والعشرين أولها تفجير برجى التجارة فى نيويورك، وثانيها فى الأهمية انتشار وباء الكورونا بهذه الصورة، كما أن التنين الأصفر قد استيقظ على الجانب الآخر وبدأ يبحث عن شراكة يزاحم بها القوى الغربية خصوصًا الأمريكية وكان الاقتصاد هو ميدان التنافس بعد حربين عالميتين فى القرن العشرين، وقد استطاعت الصين أن تغرق الأسواق بسلعها ومنتجاتها وبضائعها مع منافسة شديدة فى الأسعار سمحت لهم بالامتداد والانتشار، وتحركت المختبرات العلمية خصوصًا البيولوجية - على الناحيتين - تبحثان عما يسمى قنبلة الفقراء، فالأمر لا يحتاج إلى تلك النفقات الباهظة لإنتاج سلاح ذرى بل إن هناك جراثيم وفيروسات يمكن تخليقها فى المعامل وإطلاقها عند اللزوم لكى تدمر البشر دون الحجر!.
ويبقى الإنسان العادى فى أى شارع متواضع ببلاده يتساءل فى دهشة: ما الذى يجرى؟ ولصالح من؟ وما هى الأهداف النهائية لهذا المسار الذى بدأ؟ هل هناك عملية انقضاض على الجنس البشرى لتحجيم أعداده؟ هل هناك رؤية خبيثة لمستقبل مختلف لعالمنا المعاصر، وكيف يحدث ذلك وكل الشركاء ينالون من الضرر ويدفعون الثمن ولو بنسب متفاوتة؟. إن الأمر يحتاج إلى تفكير عميق واطلاع واسع ورؤية بعيدة تسمح لنا باستشراف مستقبل لا سوابق له ولا (كتالوج) يفسره، وها هو العالم يلهث بلا وعى فى مقاومة شاملة لفيروس لا يرى بغير المجاهر المكبرة فإذا به يقلق مضاجع البشرية وينقلها بالتأكيد إلى مرحلة مختلفة وعالم جديد وعصر قد يشيع فيه خطاب الكراهية والحذر المتبادل والقيود الشديدة على حركة البشر والتحكم الزائد فى مقدرات الأوطان بحكم الشيفونية والتلويح بخطر دائم يصبح فزاعة أمام البشر فى محاولة لإخضاع الجميع فى ظل سيطرة مركزية خفية تدير الطريق إلى المستقبل.
إن التساؤل المطروح لا يجد إجابات كافية أو شافية ولكنه يبدو كالدوران فى الحلقة الشريرة للأوهام البعيدة والأفكار الغريبة والمخاوف التى تتزايد، لنتذكر ما جرى بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وكيف أن بناء الثقة بين الدول والأمم قد أخذ وقتًا طويلًا وانتشرت شبكات الجاسوسية وولدت الحرب الباردة وغابت الثقة المطلوبة فى العلاقات الدولية، وأظن أننا سوف نواجه شيئًا لا يختلف عن ذلك كثيرًا، فإلى أين نحن ماضون؟ وكيف هم يفكرون؟.. إنها أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات أمينة فى هذه الأيام الصعبة من تاريخ الجنس البشرى.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1981815