دعتنى الدكتورة فاديا كيوان، مديرة منظمة المرأة العربية، منذ أسبوعين للغداء لأنها تريد أن تتشاور معى فى بعض قضايا المرأة العربية، ولأننى أعرفها عندما كنت واحدًا من المؤسسين لهذه المنظمة فى عامى 2003 و2004 فقد قبلت دعوتها شاكرًا، وقالت لى: إننا سوف نتناول الغداء فى مطعم لبنانى بحى المهندسين، وستكون المفاجأة أننى دعوت معك الدكتورة فرخندة حسن التى تريد أن تراك أيضًا فتكون صحبة طيبة نحن الثلاثة، وذهبت فى موعدى ووجدتهما قد صعدا إلى الدور الأعلى بالسلالم فأرسلت النادل لإبلاغهما أننى قد وصلت ولماذا نصعد ولا نبقى فى الدور الأرضى فهو أهدأ وأقرب، وبالفعل نزلتا وكانت الدكتورة فرخندة فى صحة وعافية ربما لم أشهدها من قبل، وقلت لنفسى إن هذه السيدة التى تمخر عباب السنوات الأخيرة من الثمانينيات قد متعها الله بالصحة ونضرة الوجه ولأنى أحبها وأحترمها كثيرًا فلقد كنت سعيدًا بوجودها، وبالفعل هاتفنا صديقى العزيز الأستاذ أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، لنبلغه ببعض الأمور المهموم هو بها، ومنها وضع منظمة المرأة العربية، وكان راقيًا كعادته، فأعطى الإجابات الشافية على التساؤلات المطروحة، وجرى بيننا الحديث طويلًا عن ذكريات السنوات العشر التى كنت فيها عضوًا فى المجلس القومى للمرأة مع الدكتور أحمد كمال أبوالمجد والدكتور محمود شريف والمستشار فرج الدرى وغيرهم وكيف كانت فرخندة حسن متألقة الدور، مخلصة الأداء، هادئة الطبع، وكنت أشعر دائمًا أنها أختى الكبيرة التى أصارحها القول وكانت هى على الجانب الآخر تصدقنا الرأى، وقد كان زوجها الراحل أحد العلماء المصريين أستاذًا بكلية العلوم التى تخرجت هى فيها أيضًا، فهى أستاذ لعلم الجيولوجيا فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فضلًا عن نشاط ممتد فى كثير من الدول العربية حول تخصصها الدقيق، وكنت أعرف أن الملكة رانيا، ملكة الأردن، تحفظ لها الود لأنها درست على يديها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد دعتها فيما بعد وهى ملكة لزيارة (البتراء) ودراسة صخورها فى حضور الدكتورة فرخندة وتلاميذها تحت رعاية ملكية زائدة من ملكة الأردن وعاهلها أيضًا، وبدأت أتذكر تلك السنوات التى نشأت فيها تلك المنظمة العربية لجمع الشمل والنهوض بالمرأة العربية، وقد كانت المبادرة من السيدة بهية الحريرى من لبنان بمشاركة قوية من سيدات عربيات ومصريات، وفى مقدمتهن د. ليلى تكلا والوزيرة ميرفت التلاوى ثم أمينة المجلس القومى للمرأة وقتها الدكتورة فرخندة حسن حتى برز ذلك الكيان العربى الذى يعانى كثيرًا من المشكلات انعكاسًا للوضع العربى العام والظروف الدقيقة التى تمر بها جامعة الدول العربية التى يحاول أمينها العام الحفاظ عليها رمزًا للعرب والعروبة، وقد امتدحت الدكتورة فرخندة نشاط مكتبة الإسكندرية كبؤرة للعلم ومركز للإبداع وملتقى لحفظ التراث ثم تقدمت لى باقتراح محدد وهو ضرورة تدريس تاريخ العلوم فى مصر منذ العصر الفرعونى، فمثلما هناك دراسات عن تاريخ الفكر المصرى وتطوره، فإن هناك دراسات موازية يجب أن تكون عن العلم وقفزاته الهائلة فى عصور مصر المختلفة لأننا أولى شعوب الأرض بتبنى الإشارة إلى العلوم والمعارف التى ظهرت من بلادنا وأنارت الدنيا من حولنا، وبالفعل تحمست لفكرتها وإمكانية إصدار دوريات مبسطة عن تاريخ العلوم فى مصر تصل إلى الشباب والأطفال حتى يدركوا أنهم أحفاد بنائى الحضارة ورواد الاستنارة، وفى اليوم التالى كنت قد كلفت رئيسة القطاع الأكاديمى فى المكتبة بالتنسيق مع الدكتورة فرخندة حول الفكرة وأبلغتنى زميلتى أن العالمة المصرية الكبيرة قد تأثرت كثيرًا بسرعة رد الفعل والاتصال الفورى الذى تم، وشرعت تضع تصورًا للكتيبات العلمية التى يمكن أن نضعها على الشاشات الإلكترونية فى متناول كل أبناء مصر بلا استثناء دعمًا للثقافة العلمية لدى شبابنا، وقد انتهى الغداء وودعت المضيفة والدكتورة فرخندة وأنا لا أعلم أنها سوف ترحل بعد أيام قليلة، وأننا سوف نفقد سيدة رائعة بكل المعايير فهى تستحق الاحترام مثلما هو الأمر بالنسبة للمرأة المصرية بدءًا من فرخندة حسن وصولًا إلى المتألقة مايا مرسى، رئيسة المجلس القومى للمرأة حاليًا، وحمدت الله أننا فى عهد يعلى فيه رئيس الدولة قدر المرأة المصرية إلى المستوى الذى تستحقه، فهو الذى يقبل رؤوس أمهات الشهداء ويكرم زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم على نحو غير مسبوق.. رحم الله الدكتورة فرخندة حسن فقد كانت نموذجًا للكلمة الطيبة والعبارة المهذبة والنفس الراضية.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2079898