رغم خصوصية هذا اليوم فى حياتى، فإننى أنظر إليه من منظور تاريخى بحت، ففيه ولد جواهر لال نهرو ذلك السياسى الهندى الذى يعتبر مهندس الهند الحديثة اقتصاديًا وسياسيًا والتلميذ المباشر والرفيق الأقرب للمهاتما غاندى، والذى تولى رئاسة وزراء تلك «الدولة القارة» لسنوات طويلة حتى خلفته ابنته التى كانت تحمل بالنسب اسم المهاتما العظيم. وقد كان نهرو قريبًا من الثورة المصرية وضباطها الأحرار، وهو الذى دعاه عبدالناصر ورفاقه لنزهة نيلية أثناء زيارته للقاهرة استمعوا فيها إليه ليستفيدوا من تجربته، وليكون بعد ذلك - مع ناصر وتيتو - واحدًا من المؤسسين الثلاثة لحركة عدم الانحياز التى ارتبطت بالحرب الباردة وتراجعت بعد انتهائها، ولقد أتاحت لى الظروف أثناء عملى فى الهند أن أكون أستاذًا زائرًا فى جامعة تحمل اسم جواهر لال نهرو، فالهنود مثقفون منفتحون، فهو بلد رابندرانات طاغور، وهو بلد المهاتما غاندى، وهو بلد اللغات والثقافات والديانات، وهو متحف الزمان والمكان فى كل العصور.
أما الشريك الثانى فى يوم الميلاد فهو عميد الأدب العربى د. طه حسين بمكانته الرفيعة وقيمته العالية فى تاريخ الفكر والأدب، فضلًا عن دوره فى الفهم الصحيح للإسلام ودعوته لإصلاح الأزهر الشريف فى مطلع القرن الماضى، وفوق ذلك فهو صاحب عبارة (التعليم كالماء والهواء)، والذى تولى وزارة المعارف العمومية فى آخر حكومة وفدية قبل ثورة يوليو عام 1952، وهو أيضًا الذى أقول عنه دائمًا (موسيقار الكلمة) عندما أقارنه بالعقاد، فأقول عن الأخير إنه (نحات الفكرة)، وسوف يظل عميد الأدب العربى علامة بارزة فى تاريخنا الثقافى والفكرى، بل السياسى أيضًا.
أما الضيف الثالث على هذا اليوم، فهو أستاذى الدكتور بطرس بطرس غالى، الذى ينتسب لعائلة قبطية عريقة، والذى تربى فى حى الفجالة وكان امتدادًا طبيعيًا لأسرة قدمت الوزراء، بل كان رأسها رئيسًا للحكومة المصرية وجرى اغتياله عام 1910، ولقد دعانى د. بطرس غالى لكى أكون المتحدث الوحيد فى مئوية بطرس باشا غالى الجد عام 2010، وكان الحفل مقامًا فى الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية.. ويومها تمكنت أن أُعدد إيجابيات ذلك الرجل، ولكنى لم أستطع أن أنكر بعض خطاياه، وقد احتضننى الدكتور بطرس بعد انتهاء الكلمة وسط الحضور وقال لى الوزير يوسف بطرس غالى يومها: هل تُضمن هذه الكلمة التى ألقيتها فى أحد مقالاتك القادمة؟، فقلت له: إنها مئوية جد والدك وأمام ضريحه، ولدينا حكمة تقول «اذكروا محاسن موتاكم!»، وسوف يظل بطرس بطرس غالى هو الرجل الذى تعلمنا منه التفكير المنظم والعقل المرتب، بل الوطنية الخالصة، فقد كان- رحمه الله- وطنيًا حتى النخاع، وعندما أصبح أكبر موظف دولى فى العالم لم ينسَ مصر ولا زملاءه وتلاميذه حتى رحيله منذ سنوات قليلة.
أما الشريك الرابع فى هذا اليوم، فهو الملك الحسين بن طلال، حفيد الملك عبدالله بن الشريف حسين، وهو الذى تأسست له المملكة الأردنية الهاشمية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بسنوات قليلة.. والملك الحسين بن طلال شخصية فذة، يملك رؤية ثاقبة، اتسم بِبُعد النظر ورجاحة الرأى والقدرة على التوازن السياسى والتعايش بين المتناقضات التى فرضتها عليه جغرافيا الأردن الشقيق، ولقد اجتاز بسلام عصور عبدالناصر والسادات ومبارك، رغم درجات الصعود والهبوط فى العلاقات المصرية الأردنية، خصوصًا فى عهد الرئيس عبدالناصر. وعندما رحل الملك الحسين احتشد فى جنازته أكبر عدد من رؤساء العالم وملوكه، فإذا كانت جنازة ناصر هى أكبر جنازة شعبية فى تاريخ المنطقة، فإن جنازة الحسين بن طلال كانت هى أكبر جنازة رسمية فى تاريخ المنطقة أيضًا، رحمهما الله.
أما الرفيق الخامس والأخير من مشاهير مواليد ذلك اليوم، فهو الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا، ورغم حياته الشخصية الصاخبة، وانتظاره الطويل للعرش البريطانى الذى لا أحسبه سوف يناله، فقد أمد الله فى حياة أمه الحريصة على المقعد الكبير حتى الرمق الأخير.. ولعلى أذكر للأمير البريطانى إنصافه المعروف للإسلام وأتباعه ودفاعه الموضوعى عنهما فى محاضرته الشهيرة بجامعة أكسفورد فى مطلع تسعينيات القرن الماضى ومحاضرته الأخرى فى رحاب الأزهر الشريف بالقاهرة فى مطلع القرن الحادى والعشرين.
هذه ثلة من مواليد هذا اليوم، ورغم اختلاف مشاربهم وتباين أفكارهم، إلا أنهم حازوا الشهرة وأصبحوا شخصيات عالمية، كلٌّ فى مجاله، وقد دفعت بى الأقدار إلى أن أكون من مواليد ذلك اليوم، مع الفارق الكبير بينهم وبينى.. وقديمًا قالوا (رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه)!.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2090231