تتميز الزيارة القادمة لرئيس جمهورية مصر العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بخصائص غير مسبوقة لأسباب عدة، منها أنها أول زيارة رسمية لرئيس الدولة المصرية إلى العاصمة الأمريكية منذ عدة سنوات خصوصًا أن العلاقات بين البلدين كان قد اعتراها بعض الفتور فى نهايات حكم الرئيس الأسبق مبارك، كما أن هذه أول زيارة بعد ثورتى المصريين فى 2011 و2013 بما جرى فى تلك الفترة من أحداث خطيرة، ويكفى أنها قد شهدت حكم الإخوان المسلمين من صعودهم إلى سقوطهم، نعم .. إنه ليس أول لقاء بين السيسى وترامب فقد التقيا فى أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية ولكن هذه المرة يأتى اللقاء رسمًيا بين رئيسى دولتين فى مرحلة شديدة الحساسية بالغة التعقيد دوليًا وإقليميًا، لذلك تكتسب هذه الزيارة أهميتها خصوصًا فى ظل تصاعد وتيرة الفعل الإرهابى فى منطقة الشرق الأوسط وخارجها بالإضافة إلى الأوضاع الحادة فى سوريا واليمن وليبيا فضلًا عن الوضع القلق فى العراق وغير المستقر فى عدد آخر من دول المنطقة، كما تكتسب الزيارة أهمية خاصة من أنها تأتى فى غضون لغط متناثر حول مشروعات التسوية للصراع العربى الإسرائيلى وحل المشكلة الفلسطينية ولو على حساب أطراف أخرى من دول الجوار، ولمصر موقف ثابت من حقوق الشعب الفلسطينى وموقف أكثر ثباتًا تجاه سيادتها الوطنية وترابها المقدس، ولعلنا نطرح بهذه المناسبة بعض المحاور التى تصب فى خانة التميز والفرادة لهذه الزيارة:
دعنا لا ننكر أن سقوط حكم الإخوان فى مصر عام 2013 قد حرك أتباعهم فى العالمين العربى والإسلامى بل على المستوى العالمى كله إذ إن لديهم خلايا يقظة وأخرى نائمة فى كثير من دول العالم الغربي، لقد استيقظت الثعالب وتحركت الثعابين لتقويض استقرار مصر وضرب وحدتها الوطنية واستنزاف جهود الجيش والشرطة، ولم تتوقف مصر عن توجيه الضربات الحاسمة للجماعات الإرهابية فى سيناء وغيرها على امتداد الخريطة المصرية، ولاشك فى أن الجماعة قد تمكنت بفضل أعوانها خصوصًا على المستويين الاقتصادى والإعلامى من الإساءة بشكل بالغ للأوضاع القائمة فى مصر وتشويه الصورة ونشر الأكاذيب وترديد الادعاءات حتى أصبحت مصر مستهدفة بحيث يغمض الحاقدون أعينهم عن أى إنجازات فيها ويبالغون فى نشر أى سلبيات لديها مع دق الأسافين فى علاقاتها مع الأشقاء وصلاتها بالأصدقاء!.
ثانيًا: لا شك أن الرئيس يذهب إلى واشنطن ولديه رصيد من الجدية والإنجاز، فهو يقتحم المشكلات ولا يدور حولها، ولعل ملف الإصلاح الاقتصادى هو دليله فى ذلك، وهو خير شاهد على جرأته فى القرار والدخول فى مواجهة حاسمة مع أوضاع الاقتصاد المصري، وهو إجراء تم إرجاؤه منذ عدة عقود، والذى يستطيع أن يباهى به الرئيس المصرى أيضًا هو أن شعبه تحمل ما لم يقبله من قبل، أى أن وعى المصريين قد ارتفع ليصل إلى مرحلة الحل الجذرى لمشكلاته التى تراكمت عبر السنين.
ثالثًا: إن بعض الأعراض الجانبية التى طرأت على العلاقات المصرية الخليجية هى عوارض مؤقتة تقف منها القاهرة موقفًا يدرك أهمية التضامن العربى فى هذه الظروف التى نواجه فيها الإرهاب، وتسعى مصر إلى تجاوز هذه المرحلة ـــ التى تعيش فيها المنطقة ــــ بتعقل وحكمة وصبر حرصًا على توحيد جبهة عريضة لمواجهة موجات العنف الدامى الذى يحاول تطويق المنطقة من كل اتجاه خصوصًا أن مصر تحارب وحدها إرهاب داعش فى سيناء بكل جرائمه القديمة والجديدة ومنها ما حدث أخيرا من ذبح المسيحيين المصريين فى وحشية وخسة وهو أمر يواجهه المصريون جميعًا بصلابة وشجاعة وتقف المؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر الشريف متضامنة مع الكنيسة القبطية أمام هذه الجريمة النكراء.
رابعًا: لن تجد الولايات المتحدة أفضل من مصر دولة شرق أوسطية محورية مركزية تكافح الإرهاب أمنيًا وفكريًا، لأنها الدولة التى دعا رئيسها منذ أكثر من عامين إلى تجديد الخطاب الدينى وحرص على رعاية مواطنيه الأقباط وزيارة الكاتدرائية المرقسية أكثر من ثلاث مرات تعزيزًا للوحدة الوطنية ودعمًا لمفهوم المواطنة وتأكيدًا للإحساس المشترك بالشعب الواحد والوطن الواحد، إن على أصدقائنا فى واشنطن ـــ من كل الأحزاب والاتجاهات ـــ أن يدركوا أن مصر هى مركز الثقل الحقيقى فى المنطقة مهما واجهت من صعاب وشهدت من أحداث، وأن العلاقة الإستراتيجية المصرية الأمريكية يمكن أن تكون دعمًا فى المستقبل للإدارة الأمريكية الحالية أو أى إدارة قادمة على اعتبار أنها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى لم تدعم إرهابًا بالفكر أو المال أو السلاح، كما أنها تتصرف فى سياستها الخارجية على المستويين الدولى والإقليمى بمصداقية وشرف فى مختلف المواقف الصعبة وفى ظل ظروف التوتر والقلق التى تمر بها المنطقة.
خامسًا: إن مستقبل الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط قد يتراجع بعض الشيء نتيجة الظروف التى تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقات واشنطن بحلفائها فى الغرب وتأثير ذلك على الأوضاع فى المنطقة العربية والإسلامية خصوصًا أن هناك مشكلات متفجرة فى مقدمتها الإرهاب الداعشى والأزمة السورية والمحنة اليمنية والمشكلة الليبية، ومصر كانت ولا تزال وسوف تظل الطرف الفاعل الذى يستطيع أن يؤثر فى هذه القضايا دون أجندة خاصة باستثناء المصالح العليا لشعوب الشرق الأوسط واستقرار دوله.
هذه خواطر حول بعض الظروف التى تحيط بأول زيارة لرئيس مصرى منذ أن ثار الشعب مرتين وخرج منهما وهو أكثر رشدًا وأشد وعيًا وأعمق تجربة.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47573
تاريخ النشر: 7 مارس 2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/582220.aspx