الرواية.. رحلة الزمان والمكان الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية أكثر من سيرة ذاتية أو تجربة حياتية لمثقف مصرى لأن الكاتب السياسى الدكتور مصطفى الفقى يغوص فى تقاطع رحلته الشخصية مع تاريخ مصر المعاصر ويقدم بصدق شديد بعض الحقائق التى ظلت قابعة فى الصندوق الأسود سنوات ويحلل عددا كبيرا من الملفات المهمة والأحداث الشائكة مستشهدا بالفيلسوف فرانس كافكا: «خجلت من نفسى عندما أدركت أن الحياة حفلة تنكرية، وأنا أحضرها بوجهى الحقيقى»، يصف بحنين زيارته لمؤسسة الأهرام، وأشار إلى أن الانفصال بين مصر وسوريا كان لطمة كبيرة للقيادة السياسية والشباب حتى جاءت فترة الاستنزاف العسكرى فى اليمن التى دخلها الرئيس عبدالناصر كرد اعتبار له ولزعامته في المنطقة.
يحدثنا عن انبهاره بالدكتور بطرس غالى فى أكثر من فصل لما كان يمثله من ارستقراطية ظاهرة فى زمن الاشتراكية المسيطرة.. ويكشف عن هويته الليبرالية عندما اختار فترة زمنية لتاريخ مصر لتحضير رسالة الدكتوراه فى لندن مشيرا إلى أن ثورة يوليو حركة مفصلية بين عهدين وظل الوفد يغازله من بعيد.. يتناول بإسهاب ثمانية أعوام إلى جانب مبارك كسكرتير للمعلومات محللا غزو العراق للكويت وكيف أيقظ مبارك من النوم قبيل أن يخطره شخصيا وزير الخارجية السعودى الراحل سعود الفيصل بالمأساة.. ينقل لنا رحلاته المتعددة عضوا بالوفد المرافق لمبارك فى زياراته الخارجية وكيف كان يتمتع بعلاقة هادئة مع عنصر الوقت وبأنه كان حارسا للوطن أكثر من حاكم له، ويشير إلى أن السنوات الأخيرة فى عصر مبارك حملت من أسباب الترهل مظاهر لم تكن توحي بغير ما حدث وإنما يشير إلى أن التاريخ سوف يعطى حكم مبارك بعض الايجابيات.
يشرح أسباب إبعاده عن مؤسسة الرئاسة ويعدّه ميلادًا جديدًا وتحررًا من القيود.. وينقل لنا المسلك الايجابى للنظام فى تعامله مع الأزهر والكنيسة والقضاء وأدق التفاصيل عن السياسة الخارجية المصرية والاقليمية والدولية وقربه من السيد عمرو موسى كمساعد وزير خارجية للشئون العربية ويثني على أدائه وإن كان قد استبعده مبارك إلى الجامعة العربية لسطوع شعبيته مثلما لم يعط للدكتور أسامة الباز حقه.. كما يكشف لنا بأسلوب أدبى رؤيته الفلسفية فى الحياة وفي الموت وإيمانه بالحظ والقدر.. يتناول التحولات الجوهرية فى العلاقات العربية الإسرائيلية وإيمانه بالسلام القائم على العدل والتوازن وإقصاءه من لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان بعد أن اعتذر عن تمثيل مصر فى الاحتفال بمرور 25 عاما على توقيع اتفاقية السلام.. ويسرد العلاقات المصرية ـ الأمريكية مع خمسة رؤساء أمريكيين مبرزا حيويتها فى فترة حكم كلينتون والفرص التى تمت أضاعتها آنذاك لاستخلاص المصالح العربية وأعتقد أنه يقصد الملف الفلسطينى..
ويثني على الدور الذي قام به السفير عبدالرءوف الريدى لإسقاط ديون مصر العسكرية عقب تحرير الكويت. يلخص لنا الفقى محنة مصر الحقيقية فى السياسة والحكم والصراع على السلطة وطوابير النفاق ورذائل الديماجوجية وفكرة التوريث التى كان يعترض عليها شخصيات سياسية وعامة تحظى بالإقدام مثل عمر سليمان ومحمد حسنين هيكل وزكريا عزمى.. يحلل لنا رموز السلطة التى اقترب منها فى العالم العربى، ويشرح أسرار المعوقات التي حالت دون توليه منصب أمين عام جامعة الدول العربية مستعينا بكلمات الشيخ الشعراوى «لا تخشى من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله»، يتحدث فى مؤلفه عن تأثير صحبة رائعة من نجوم الفكر والأدب والفن، مشيرا إلى كلمات اينشتاين «المثقفون يأتون بحل المشاكل بعد وقوعها والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ» مبرزا إن توفيق الحكيم كان واحدا من أبرز الفلاسفة ومحمد حسنين هيكل علامة مضيئة فى تاريخنا المعاصر وأحمد بهاء الدين ضمير الوطن.
ويؤكد الكاتب بأمانته المعهودة: أن ثورة 30 يونيو 2013 بقيادة السيسى هى التى قطعت الطريق على مشروع الاخوان وأحبطت مخططاتهم من أجل القضاء على الدولة المصرية. ويختتم الفقى حكايته مع مكتبة الإسكندرية ذلك الصرح الثقافي الذي تباهت به مصر فى تاريخها المبكر من الحضارة الإنسانية وليصبح الفقى مديرها العام، حيث لم يتوقف عند «الميزانين» أى الدور المسحور الذى تحدث عنه كثيرا، ولينشر المعرفة وقيم التسامح والتنوع والاختلاف وهو أكبر تكريم لصاحب الرواية.
جريدة الأهرام
http://gate.ahram.org.eg/News/2611341.aspx