فى العام الماضى كنت أشعر بحزن دفين وأنا أسمع الأذان للصلوات متضمنًا عبارة (ألا صلوا فى بيوتكم .. ألا صلوا فى رحالكم) وكانت تصيبنى غصة أننا وأشقاءنا المسيحيين لا نرتاد دور العبادة بسبب ذلك الوباء اللعين الذى استشرى بين البشر فى أنحاء المعمورة حيث لا يوجد مكان آمن نسبيًا إلا البيت الذى لا يبرحه صاحبه ولا يستقبل فيه زوارًا وهى حالات نادرة يصعب إحكامها خصوصًا فى ظل طقوس الشهر الكريم، وها هو يعود مرة أخرى ومازال الوجه الكئيب لداء الكورونا مطلًا على البشرية منتشرًا فى بقاع المعمورة فى ظل فوضى التطعيم التى ضربت عواصم العالم وبقاعه المختلفة مع تنافس محموم بين شركات الأدوية بحيث تحاول كل منها تعطيل الأخرى أو الإساءة إلى التطعيم ضد الكورونا الذى تقدمه شركة بديلة بل زاد الأمر غرابة ما تردد أن السفر إلى دول معينة سوف يرتبط بنوع محدد من التطعيم لا تقبل مطارات تلك الدول سواه، وهذا يعنى خلق نزاعات جديدة ومشكلات متعددة تضيف مزيدًا من التعقيدات للسفر وتتعارض مع حرية التنقل وتحيل حياة الناس إلى جحيم حقيقى تتعطل بسببه مصالحهم وتتراجع أرزاقهم وتتدهور حالاتهم على نحو غير مسبوق، نعم، نحن نعلم أننا قد نعيش مع هذا الوباء وغيره من الأوبئة لسنوات مقبلة، وربما لعقود آتية وذلك يدعونا إلى أن نتعايش مع الواقع الجديد بنظم مستقرة وإجراءات محددة، ولقد أصبحت المعاناة طبيعة يومية تبدأ بالكمامات ولا تنتهى بالمطهرات! فالفيروس مجنون بلا عقل يطيح بالناس دون إنذار وما أكثر من فقدنا من خيرة البشر الذين اقتنصهم هذا الداء اللعين الذى لا تبدو فى الأفق القريب نهاية كاملة له بل تلوح فى الأفق موجات جديدة، ونحن نقول اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، إذ يبدو أن درجة المناعة لدى كل مخلوق تتحكم فى نوعية استقباله هذا الوباء وتعامله معه وتكيفه تبعًا لتطوراته وتحوراته، فهو فيروس لئيم يطيح بضعاف الصحة أو قليلى المناعة أو من يستهينون به، وهو لا يفرق بين غنى أو فقير أو رجل وأمرأة كما أنه لا يمتد إلى جنس معين من أجناس البشر بل لقد أصبح فرض عين بين كل الجنسيات والأعراق والأقوام، ولنا هنا بعض الأفكار التى أراها مطروحة أمام مستقبل هذا الوباء:
أولًا: إننى ممن يؤمنون دائمًا بأن الحلول الاستباقية أفضل وأن الوقاية خير من العلاج لذلك فإننى أظن أن التوسع فى إعطاء التطعيم لعامة الناس بيسر وسهولة هو مقدمة طبيعية لمواجهة المشكلة ومحاصرة الداء تمهيدًا للقضاء عليه، وسوف نظل نتطلع إلى يوم يصل فيه البحث العلمى فى مجال الطب الوقائى إلى اكتشاف مصل واحد لكل الفيروسات بغير استثناء، عندئذ يكون الإنسان آمنًا بدرجة كبيرة لأنه يبدو لنا حاليًا أن جيشًا من الفيروسات يتهيأ للهجوم على الجنس البشرى كله وقد لا يكون ذلك صحيحًا بالمرة ولكن علينا دائمًا التهيؤ للمستقبل وفقًا للسيناريو الأسوأ، كما أن توحيد التطعيم فى مكوناته الأصلية بين شركات الأدوية المختلفة هو ضمان للخروج من المأزق الذى وضعنا فيه أحد الأوبئة الوافدة وهو وباء كوفيد ـ 19(كورونا).
ثانيًا: إن الشق العلاجى هو المكمل تلقائيًا للجانب الوقائى لهذا فإن شيوع التطعيمات يجب ألا يصرفنا عن البحث فى الأدوية والعلاجات التى يحتاجها مريض الكورونا ولو بدرجات مختلفة، فالوقاية لن تحسم الأمر بشكل قاطع وسوف يزور ذلك الوباء هو أو غيره مرضاه الذين تحول الظروف الصحية لهم دون وجود مناعة كافية أو مقاومة شديدة تمنع أن يغزو الداء أجسادهم، إنها دائرة مفرغة ومسألة معقدة لذلك وجب علينا أن نتصدى لهذا الفيروس على الجانبين معًا بالشق الوقائى والشق العلاجي.
ثالثًا: قد يتوافر الشقان معًا الوقائى والعلاجى ولكن تبقى هناك البيئة المحيطة صحيًا والمناخ السائد الذى يكفل انتشار الوباء من خلال التجمعات التى لا تراعى الإجراءات الاحترازية أو العادات التى يجب أن نتخلص منها مثل التحية مع القبلات المتبادلة بشكل لم يكن سائدًا فى بلادنا منذ عقود فضلًا عن المغالاة فى المصافحة، ولقد قال القدماء (رب ضارة نافعة)، وأنا أظن أن من الفوائد القليلة التى حصلنا عليها من انتشار هذا الفيروس هو الاهتمام بنظافة الأجساد والملابس والأدوات المستخدمة فى حياتنا اليومية، ويجب أن نعترف أيضًا بأن القدماء قد قالوا لا يغنى الحذر عن وقوع القدر، فالاحتمالات أمام الأوبئة مفتوحة والمخاطر قائمة ولا يوجد ضمان مائة بالمائة ضد المعاناة الحالية أو المخاطر القادمة، وأنا أتطلع الآن إلى شهر رمضان بطقوسه وروحانياته ونفحاته بالإضافة إلى (الصوم الكبير) لدى أشقاء الوطن من مسيحيى مصر كى أدعو أن يحفظ الله الكنانة وشعبها الصبور وأرضها الطيبة، وأخاطب فى النهاية وعى المصريين بضرورة التخلى عن بعض عاداتنا فى الأيام المقبلة خصوصًا تلك المتصلة بالتجمعات والسهرات لأن الفيروس يستهدف الجميع ولا يعرف دينًا أو جنسًا أو لونًا .. إنه يبدو لى وكأنه إنذار إلهى بضرورة ترشيد حياتنا وتنقية قلوبنا وتطهير نفوسنا.
نُشر المقال في جريدة الأهرام بتاريخ 13 ابريل 2021
https://gate.ahram.org.eg/Daily/News/803915.aspx