سوف تظل العائلة الملكية فى بريطانيا مثار جدل لدى شعبها وخارجه، لأنها أشهر ملكيات العصر وأطولها استمرارًا وأكثرها تأثيرًا، فالنظام البرلمانى يضع حدودًا لسلطة الملك الذى يكون منصبه شرفيًا مراسميًا أقرب إلى منطق من يملك ولا يحكم، ولكن ظل بريق تحركات أبناء العائلة، بدءًا من الملكة التى تتربع على العرش لما يقرب من سبعين عامًا، وتكاد تتفوق فى فترة حكمها على ولاية جدتها الملكة فيكتوريا، فالملكة إليزابيث الثانية وزوجها المثير للجدل دائمًا الأمير فيليب وذريتهما من الأبناء والأحفاد كانت موضع إثارة ومحل اهتمام من وسائل الإعلام، خصوصًا الصحافة المكتوبة، وفى مقدمتها (الصحف الصفراء) فما أكثر الشائعات حول تحركات أفراد العائلة، وهو الأمر الذى بلغ ذروته بعد زواج ولى العهد الأمير تشارلز- الذى شاخ فى مقعده وأصبحت احتمالات توليه العرش محدودة، لأن أمه الملكة لم تعطه الفرصة رغم تقدمها فى العمر- من الأميرة الراحلة ديانا ذات الشعبية الكاسحة، والتى لقيت مصرعها فى حادث سيارة بأحد أنفاق باريس، وترددت شائعات أنه حادث مدبر لأن الأميرة الراحلة قد هوت بمكانة بلاط سان جيمس إلى درجات سفلى بسبب الفضائح الاجتماعية والشائعات التى أحاطت بها وبزوجها الأمير تشارلز وحبه التاريخى للسيدة كاميلا زوجته الحالية، ولم تقف مشكلات العائلة الحاكمة فى لندن عند هذا الحد، فلقد تسبب زواج حفيد الملكة والابن الثانى للراحلة ديانا وهو الأمير هارى الذى تزوج من ممثلة أمريكية يجرى فى عروقها دم إفريقى، وهو أمر قبلته العائلة الحاكمة على مضض حتى قرر الأمير الشاب الرحيل وزوجته ليعيشا بعيدًا عن ضجيج المملكة المتحدة والتقاليد الملكية الصاخبة، وكأنما هو يعيد سطور عم جدته الملك الذى تخلى عن العرش للزواج من مطلقة أمريكية ولم يندم على ذلك أبدًا، لذلك اتخذ الأمير هارى قراره هو وزوجته حتى لا يلقى مصير أمه، على حد تعبيره،
ولقد شهدت شخصيًا واقعة للأمير فيليب لن أنساها، فالملكة تقيم حفلين على مدار كل عام، أحدهما داخل القصر فى الشتاء، والثانى فى حدائق القصر صيفًا، وتدعو الملكة كل السفراء المعتمدين فى لندن ومع كل منهم الملحق العسكرى وأحد أعضاء السفارة، وذهبت فى السنة الأولى من وجودى فى البعثة المصرية بلندن مع السفير كمال رفعت والملحق العسكرى، واختارونى لأننى كنت أصغر أعضاء البعثة، وعندما وصلنا إلى الملكة والأمير فيليب وفقًا لمراسم محددة بدأ الأمير فيليب سؤاله للسفير المصرى قائلًا: ما هو اسم بلدكم الآن؟ قال السفير: الجمهورية العربية المتحدة، فردَّ الأمير فيليب- بطريقة عفوية وصوت مرتفع مثل أبناء شعوب البحر الأبيض المتوسط، حيث عاش مع والديه سنوات طويلة فى اليونان- أنتم لستم عربًا.. أنتم مصريون، ثم المتحدة مع من؟!
قال ذلك وأنا ألمح الملكة تكاد تتصبب عرقًا من الأسلوب المباشر فى الحديث الذى يفتقد اللياقة من جانب الأمير تجاه أحد سفراء دولة بأهمية مصر، ولقد قيل لى إنه فى حفل العام التالى سأل الأمير فيليب سفير مصر عن الاسم الرسمى للدولة، وكان الرئيس الراحل السادات قد عدل الدستور وأصبح الاسم الرسمى للدولة هو جمهورية مصر العربية، وعندما نطق السفير الاسم الجديد أبدى الأمير فيليب ارتياحه قائلًا: هذا عظيم.. اسم مصر يعود كما كان عبر التاريخ، ولم تكن الملكة بتحفظها الغريزى مرتاحة أيضًا هذه المرة لملاحظات زوجها الأمير الذى يخرق كل قواعد البروتوكول ويتحدث بتلقائية تنبع من طريقة تفكيره، وكنت أشارك فى أعماقى الأمير فيليب فى ملاحظاته.. فاسم مصر أبقى وأخلد من أن يختفى ولو إلى حين، ولقد رحل الأمير فيليب بعد أن عاش قرنًا كاملًا، ولامست سنوات عمره المائة عام ليصبح مكانه شاغرًا فى المناسبات الملكية والمراسم العتيقة للعرش البريطانى، ولايزال الأمير تشارلز ولى العهد- الذى أشاركه فى يوم الميلاد مع اختلاف السنوات- بعيدًا عن العرش الذى أظن أنه سوف يؤول إلى ابنه الأكبر الأمير وليم، الذى رحلت أمه عام 1997، والتى حظيت فى أنحاء الدنيا بلقب أميرة القلوب!.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2315517