سوف يظل اسم الملك فؤاد بن اسماعيل مسارًا للجدل إذ لم يأخذ ذلك الذى حكم مصر سلطانًا وملكًا لما يقرب من عشرين عامًا حقه من الدراسة الموضوعية والتحليل الدقيق، إذ إن تاريخه قبل أن يتولى حكم مصر لم يكن تاريخًا لامعًا فى مجمله فقد كان أميرًا يتسكع بين العواصم الأوروبية حتى خدم (ياورًا) لملك إيطاليًا، بل إن هناك بعض الكتابات التى تشير إلى أنه عرض نفسه على السلطات البريطانية مطالبًا بحكم إحدى الدول الصغيرة الخاضعة للتاج البريطانى حتى اقترح أن يكون ملكًا على جزيرة (مالطة) مع استعداده للتحول إلى الكاثوليكية حتى يكون وضعه ملائمًا لحكم تلك الجزيرة، ولكن على الجانب الآخر فإن دوره فى إنشاء جامعة القاهرة التى حملت اسمه لسنوات طويلة باعتباره أول رئيس لمجلس إدارتها، إن ذلك يعد نقطة إيجابية له تغفر الكثير من خطاياه، ونحن نعترف بأنه كان معروفًا بالجهامة وعداء الحركة الوطنية أحيانًا كما انقلب على دستور 1923، حيث زين له إسماعيل صدقى ذلك عام 1930، وعندما تزوج نازلى أم فاروق بعد زواجه الأول حدث بينه وبين شقيق قرينته السابقة (شويكار) نزاع أدى إلى أن يطلق عليه الأخير الرصاص على سلم كلوب محمد على (النادى الدبلوماسى حاليًا) وجرى إنقاذ حياة الملك فؤاد وإن تركت الحادثة أثرًا فى صوته ظل معه طوال حياته، كما أنه كان يعانى التهابات (اللثة) وتضخمها فى سنواته الأخيرة، وعندما أرسل فاروق ولى عهده إلى إنجلترا للدراسة والتأهل للملك لم يتحقق له ذلك برغم وجود شخصيتين أسطوريتين أثير حولهما جدل كبير كرائدين لولى العهد، وهما أحمد حسنين باشا والفريق عزيز المصرى ولم يمض فاروق فترة معقولة فى بلاد الإنجليز لذلك ظل طوال حياته محدود التعليم ناقص الخبرة، ونعود إلى فؤاد الأول لنتذكر له ما أنشأه من متاحف وما أضافه من فنون وما شكله من جمعيات ملكية ذات مكانة خاصة فى تاريخنا الثقافى وأتذكر منهما الجمعية الملكية التاريخية والجمعية الملكية الجغرافية ولازلت أتطلع شخصيًا إلى سماع تسجيل بصوت ذلك الملك الذى رحل عام 1936 وقد كانت الإذاعة المصرية قد بدأت تسجيلاتها ولكنى لم أتمكن من ذلك حتى الآن، ونذكر له أنه سارع بعد تصريح 28 فبراير عام 1922 بافتتاح سفارة مصرية فى لندن تثبيتًا للاستقلال الجديد ومحاولة لتنظيم العلاقة مع دولة الاحتلال، ولا شك أن علاقة الملك فؤاد بكل من الزعيمين الوطنيين سعد زغلول ومصطفى النحاس تظل مثار جدل لا ينتهى فقد كان يخشى تأثير الحركة الوطنية ويتلقى تعليماته من سلطات الاحتلال وأعوانهم فى دوائر السياسة المصرية، ومازلنا نتذكر ما قاله العقاد فى البرلمان المصرى من استعداد المصريين لسحق أكبر رأس فى البلاد إذا خالفت الدستور وقد دفع العقاد ثمن هذه العبارة فترة من الاعتقال الذى خرج منه مباشرة ليزور قبر سعد زغلول تأكيدًا لوفديته واحترامًا للزعيم الذى آمن به وأصدر له كتابه (سيرة وتحية)، وبهذه المناسبة فإننى ألفت النظر إلى الملاحظات الآتية:
أولًا: إن قراءة جديدة وعادلة فى تاريخ حكام مصر أصبحت أمرًا ضروريًا لتصحيح مسار الدراسات التاريخية فى بلادنا على اعتبار أن الوثائق الرسمية هى التى تتحدث وهى القادرة على إبراز الصواب والخطأ بدلًا من المذكرات المرسلة والأحاديث السردية التى تتلون وفقًا للظروف وطبيعة الشخوص الذين كتبوها بالإضافة إلى عامل المعاصرة الذى يجعل حبر الأقلام يقطر مرارة أو يسيل نفاقًا.
ثانيًا: إن تطلع فؤاد الأول للخلافة والضربة القاضية التى وجهها له الشيخ على عبد الرازق بكتابه الصغير والخطير (الإسلام وأصول الحكم) قد جعلت جزءًا من طموحات حفيد محمد على الكبير تبدو بعيدة المنال، ولابد أن أعترف هنا أن فؤاد الأول لم يكن قريبًا من الجماهير ولم يتمتع - ولو مرحليًا ببعض الشعبية التى حازها ابنه فى مستهل سنوات توليه العرش منذ أن ذهب إليه رائداه وهو يمتطى حصانًا فى حديقة بلندن ليجهزاه للسفر إلى مصر ويخبراه برحيل والده حتى اضطرت دوائر القصر الملكى فى القاهرة إلى اللجوء لفتوى من الأزهر الشريف لحساب عمر الملك فاروق هجريًا حتى يكتمل له من سنوات العمر نصابًا يسمح له بتولى الحكم خشية أن ينقض عليه ولى العهد الأمير محمد على الذى كان وليًا لعهد الملكين فؤاد وفاروق حتى أنجب الأخير ابنه من زوجته الثانية قبيل ثورة يوليو عام 1952.
ثالثًا: دعنا نعترف بأن أسرة محمد على لم تكن فى مجملها بذلك السوء الذى صورته كتابات حديثة، فليس فيهم إلا خائن واحد وهو محمد توفيق ولكن إبراهيم باشا وإسماعيل وبعدهما عباس حلمى الثانى وفؤاد قد كانوا أقل انصياعًا لقوة الاحتلال والتصاقًا بالعرش الذى ورثوه عن جدهم الكبير الذى مازلنا نعتبره مؤسس مصر الحديثة.
رابعًا: إن زوجة فؤاد الأول وأم ابنه فاروق قد أساءت لاسم زوجها وحطمت كبرياء ابنها بمغامراتها المعروفة وأخطائها الكبيرة سواءً فى علاقتها بأحمد حسنين باشا أو تزويجها ابنتها فتحية من موظف صغير مسيحى الديانة كان يعمل فى وزارة الخارجية المصرية، ومازلت أتذكر مقالات الراحل الكبير لويس عوض فى هذا السياق وهو يروى لقاءه بها فى ستينيات القرن الماضى وكيف أنها لفظت ابنها الوحيد بعد أن جردها من ألقابها وسحب منها ميزات الملكة السابقة حتى إنها ماتت وقد تحولت إلى الكاثوليكية وجرت مراسم دفنها فى إحدى الكنائس بالولايات المتحدة الأمريكية.. إنها مأساة أسرة مهدت لضياع العرش وقهرت فاروق ابنًا وملكًا فى آن واحد.
خامسًا: إننى أدعو أساتذة التاريخ السياسى وخبراء نظم الحكم والمعنيين بتطور النظام السياسى المصرى الحديث إلى كتابة تاريخ فؤاد الأول بتجرد ودون مؤثرات عقائدية أو ميول شخصية، ويكفى أن نتذكر أن الشيخ الشافعى أبو وافية (نائب الدلنجات) قد اعترض فى البرلمان المصرى على تخصيص مبلغ تسعة عشر ألف جنيه مشتروات للقصر الملكى فى عهد الملك فؤاد وعاد الرجل إلى قريته لينام آمنًا مطمئنًا!إننى أطالب بتقديم الحقائق مجردة وموضوعية للأجيال الجديدة، فلكل حاكم مزاياه، كما أن له خطاياه.
مصطفى الفقي ;
جريدة المصري اليوم العدد 47804
تاريخ النشر: 24 اكتوبر 2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/619347.aspx