تلقيت دعوة من مجلس النواب المصرى لإلقاء محاضرة على ضيوف ندوة يعقدها بمناسبة اجتماع اتحاد البرلمانات العربية وقد قبلت أن أكون متحدثًا وحيدًا فى الجلسة الأولى التى يترأسها زميلى السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق، ولقد طرحت فى ذلك اللقاء شديد الحساسية بالغ الصعوبة أطروحات واضحة تمثل قناعاتى بالنسبة للعمل العربى والواقع المعاصر فى المنطقة وطبيعة الضغوط ونوعية التدخلات التى يتعرض لها العرب فى هذه المرحلة، ولقد ألقى النائب البرلمانى سعد الجمال كلمة ترحيب نيابة عن الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب المصرى الذى حال ارتباط مفاجئ دون حضوره هذه الندوة المهمة، وقد بدأت حديثى مع الزملاء البرلمانيين من مختلف الأقطار العربية مؤكدًا أن هناك أمورًا تستوجب الاهتمام وتستحق كل العناية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية باعتبارها قضية القضايا ومركز الاهتمام فى كل ما يتعلق بالشأن العربي، وذكرت بوضوح أن القضية تتعرض لمحاولات التصفية النهائية رغم البسالة غير المسبوقة فى التاريخ المعاصر والتى يبديها الشعب الفلسطينى نضالًا ويدفع ثمنها دمًا على امتداد ثمانية عقود على الأقل، وقلت إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينة فى واشنطن والتضييق الكامل على وكالة الغوث (الأونروا) مع الإعلان الأمريكى بحق إسرائيل فى إقامة مستوطنات كما تشاء وقلت إن هذه فى مجملها شواهد حاسمة على النكوص الأمريكى الشديد عن حل الدولتين كما أنه يعنى أن الانحياز الأمريكى أصبح سافرًا بلا حياء، فاضحًا بلا مواربة لأن إسرائيل تسعى لحل القضية الفلسطينية على حساب أراض عربية فى دول الجوار دون أن تتكبد هى أية خسارة ولو لمتر مربع من الأراضى التى اغتصبتها، وقد وافقنى معظم الحاضرين فيما قلته خصوصًا وأننى أردفت بعد ذلك فى إشارة إلى المسألة الثانية من حيث الأهمية والتى حددتها بأنها الحفاظ على عروبة العراق، فالعراق - التراث والتاريخ والدولة والشعب ــ هو ركن ركين فى الجناح الأيمن للأمة العربية فضلًا عن أن العراق بلد يجمع بين العراقة الحضارية والثروة النفطية مع وفرة المياه والتربة الخصبة والكوادر البشرية ذات التدريب الجيد، ويكفى أن نتذكر أن العراق كان يملك سلاح طيران متميزا بالإضافة إلى أن العراقى شديد المراس لا يلين بسهولة ولا يقبل أن يملى عليه غيره فهو شعب أبى له إسهام ضخم فى الحضارة العربية الإسلامية، وقد حذرت بوضوح من استخدام اختلاف الطوائف الإسلامية للتفرقة ولتمزيق البقية الباقية من كيان تلك الأمة الصامدة، ثم أشرت بوضوح وعن يقين كامل إلى أن الجيش المصرى قد استطاع فى عام 2018 أن يقترب من مرحلة الحسم النهائى فى معركته على الإرهاب وفلوله الباقية، كما عبرت عن الارتياح العام لحركة التحديث التى يمضى فيها النظام السعودى على اعتبار أن ذلك سوف يكون رأس حربة لتيار الحداثة الذى ينبغى أن يسود فى أوطان العالمين العربى والإسلامي، وأكدت أمام الحاضرين أن الموقف المصرى من المأساة السورية هو أشرف المواقف على الإطلاق، فمصر لم تتربح به ولم تقايض عليه ولم تتاجر فيه كما لم تكن لها أجندة خاصة على حساب الشعب السورى مثل إيران وتركيا وإسرائيل بالطبع، وقد تمكنت القيادة السياسية المصرية من وضع المسألة السورية فى إطارها الصحيح وكان الذى يعنيها فقط هو سلامة الشعب السورى ورفع المعاناة عنه حتى إن الدبلوماسية المصرية وافقت ذات يوم على قرارين مختلفين فى يوم واحد بالأمم المتحدة عندما كان القاسم المشترك بينهما هو السعى إلى تخفيف وطأة المعاناة عن الشعب السورى رائد الحركة القومية الذى غادره ملايين اللاجئين يضربون فى الأرض بعد أن كان بلدهم هو الملجأ والملاذ والموطن لكل من يسعى إليه، فإذا انتقلنا إلى الجناح الغربى للأمة العربية فإن الوضع فى ليبيا يتصدر الأمر برمته ويبدو شديد التعقيد حيث عبثت فيه أطراف متعددة بعضها عربى وبعضها الآخر أجنبيا كما أنها تحولت فى بعض أجزائها إلى بؤرة لتجمع الإرهابيين، فضلًا عن عمليات تسريب السلاح عبر حدود مصر واستخدامه فى عمليات إرهابية ضد الشعب المصرى الذى يقدم كل يوم قافلة جديدة من الشهداء دفاعًا عن الوطن وترابه المقدس، ثم شرحت للسادة النواب العرب الوضع الإقليمى فى مجمله والوضع الدولى الذى ينذر بأخطر العواقب وأسوأ السيناريوهات، وقد اختتمت محاضرتى بالإشارة إلى عدد من الإيجابيات التى طرأت على البيئة السياسية فى المنطقة العربية من أجل تعزيز مسيرة الديمقراطية وفتح أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة، كما أن المحاضرة لم تكن دراسة مسحية تتناول كافة الدول ولكنها كانت انتقائية تختار بعضًا مما يحدث حتى أعطى انطباعًا بخطورة الموقف وصعوبة المسيرة، وقد استقبل الحاضرون الأفكار المتجددة فى ذلك اللقاء القومى الشامل بتساؤلات ذكية وتدخلات عميقة.
جريدة الاهرام
25 سبتمبر 2018
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/672421.aspx