زاملته عدة سنوات بالبرلمان العربي وكنت أرى فيه شخصية متميزة وأتوسم فيه أن يكون برلمانيًا مرموقًا لا في دولة الكويت وحدها ولكن على المستوى العربي كله فضلاَ عن توازن في الشخصية ونضوجٍ سياسي مبكّر، ولقد كان ذلك منذ ما يزيد عن اثنتي عشر عامًا وحرصت - بيني وبين نفسي - على متابعة مسيرته إلى أن وصل إلى رئاسة مجلس الأمة الكويتي بدعمٍ من رفاقه ومؤيديه داخل برلمان تلك الدولة العربية التي بدأت تجربة ديمقراطية مبكرة تشكل رصيدًا في تاريخ الديمقراطية العربية، وكأنما كان انتخابه في موقعه إفرازًا وطنيًا وقوميًا لشابٍ كويتي واعد أعد نفسه بالمعرفة وأدار مجموعة من شباب بلاده لازالت تحتفظ بالتزامها القومي وفكرها العربي ورؤيتها الخليجية الواعية، ولقد تأثرت كثيرًا بموقفه من وفدٍ مؤيد لإسرائيل وكيف طرده تقريبًا من الجلسة التي كانوا يحضرونها وعبّر في شجاعة وتفرد عن الموقف العربي الفكري والأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني وتضحياته المتواصله، ومن خلال معرفتي بالشعب الكويتي الذي تعامل مع المجتمع الدولي منذ عقودٍ طويلة ونال استقلاله رغم محاولات الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم تصدير مشكلة طارئة تتعلق بهوية دولة الكويت الشقيقة غداة استقلالها ، ولكن الإجماع العربي وقف إلى جانب الدولة الخليجية البازغة وهي تصافح أشقاءها عضوًا في جامعة الدول العربية، وقد كان الموقف المصري داعمًا كعادته لاحترام الكويت واستقلاله وسيادته، فقد أبلى الرئيس الراحل عبد الناصر في ذلك الشأن بلاءً حسنًا يذكره أشقاؤنا في تلك الدولة العربية الناهضة بل ويربط البعض بين ذلك الموقف المبكر وبين موقف مصر وسوريا ودول أخرى في مواقفها القومية الواضحة عندما دخلت قوات صدام حسين إلى أرض الكويت في عدوانِ غاشم وتصرف غير مسئول، فالكويت كيان عزيز على قلب أمته قريبٌ من قضاياها القومية بمراحل كما أنها دولة دعمت الشعب الفلسطيني واستقبلت العمالة المتميزة من أبنائه عبر السنين بل وتجاوز الكويتيون في أسرع وقت عن الموقف الرسمي الفلسطيني الذي كان مؤيدًا إلى حدٍ كبير لاجتياح العراق لدولة الكويت عام 1990، وأعود الآن إلى نموذج مرزوق الغانم وهو ابن بيتٍ كويتي عريق ولديه شغفٌ بالسياسة العربية والدولية وإيمان راسخ أن بلاده جزء لا يتجزأ من أمتها في كل الظروف وأمام كافة التحديات، وهنا أسجل الملاحظات الثلاث التالية:
أولاً: إنه في ظل الظلام الدامس يصلنا شعاع ضوء عندما تحتدم الأمور وتختلط المفاهيم وتنقلب الرؤى، وأظن أن ظاهرة مرزوق الغانم هي نموذج، لذلك فالضوء الذي يبدد كثافة الظلام حوله وينشر الضياء رغم أجواء اليأس القومي والإحباط العروبي، لذلك احتفيت شخصيًا بالبرلماني الكويتي رفيع المستوى والقابض على انتمائه القومي في أحلك الظروف وأصعب الأوقات، من هنا كانت الحفاوة العربية العامة بتصريحات رئيس مجلس الأمة الكويتي رغم إدراكنا أن الدنيا قد تغيّرت وأن اليوم ليس هو الأمس، وأن الغد مختلف عن الاثنين معًا.
ثانيًا: إن مرزوق الغانم يمثل جيلاً من الشباب العربي يطل على أمته بما يبشر بالخير ويدعو إلى التفاؤل، وأنا بالمناسبة لا أدعو إلى التصادم مع الحاضر كما لا أدعو إلى نسيان الماضي ولكن دعوتي الحقيقية هي التهيؤ للمستقبل بكل ما يحمله من احتمالات وتطورات بل ومفاجآت، لذلك فإننا نثمن بشدة على ذلك النموذج الكويتي الباهر الذي يدعو إلى الاحترام ويؤكد عمق الوعي لدى أشقائنا من شعوب الخليج العربي.
ثالثًا: إن التجربة الديمقراطية في الكويت ــ رغم كل ما لها وما عليها ــ هي تجربة واعدة بكل المعايير وهي مصدر اعتزاز للعرب وتأكيد على استنارة عناصر السياسة وأركان الحكم في ذلك البلد الشقيق الذي أسهم دائمًا في كل الأحداث العربية بفاعلية وإيجابية وانفتاح وظل منبرًا للآراء المختلفة والمواقف المتباينة دون تراجعٍ أو انكفاء، ولقد ظن الكثيرون بعد غزو العراق للكويت أن الأخيرة سوف تتصرف بدافع رد الفعل وتتحول عن عروبيتها وتقف ضد قوميتها وتكون أول من يغازل الدولة العبرية مبررًا ذلك بما جرى له على سمع وبصر العالم كله، ولكن الكويت العربي الخليجي لم يفعل ذك بل ظل قابضًا على قوميته متمسكًا بعروبته، وها هو نموذج مرزوق الغانم يؤكدٍ باعتزاز ما ذهبنا إليه.
هذه قراءةٌ حول قطبٍ برلماني عربي من دولةٍ خليجية اختارت الديمقراطية طريقًا منذ البداية وعرفت الممارسات المبكرة لحل البرلمان في ظروف معينة وتجديد الدماء والانتقال بين الأجيال داخل البرلمان في سهولةٍ ويسر، وإني إذ أبدي إعجابي بالأستاذ مرزوق الغانم فإنني أعتبره نموذجًا لجيلٍ صاعد على مسرح الحياة العربية بكل أقطارها متسلحًا بالعلم والمعرفة ومتمسكًا بالقومية العربية والوطنية الكويتية في ذات الوقت، وسوف يظل اسم مرزوق الغانم عالقًا في ذهني مؤكدًا صدق نبوءتي وصحة فراستي عندما كنت أتنبأ له دائمًا بأن يلعب دورًا جادًا في خدمة قضايا بلده وأهداف أمته وفي ظل تجربة ديمقراطية يتجاوز عمرها ستين عامًا رغم الرياح العاتية التي تهب على المنطقة والأنواء العاصفة التي تأتينا من كل اتجاه .. تحية لمرزوق الغانم وجيله الذي يجدد الأمل ويبعث على الاعتزاز ويؤكد وضوح الرؤية.
نُشر المقال في جريدة الأهرام بتاريخ 1 يونيو 2021.
https://gate.ahram.org.eg/Daily/News/809624.aspx