تشير كل الأحداث الجارية والتوقعات القادمة إلى أن العالم سوف يواجه صيفًا ساخنًا من الناحية السياسية، فالقضية الفلسطينية دخلت منعطفًا خطيرًا بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس التى وصلت صواريخها إلى تل أبيب، ولا شك أن معاناة المواطن الفلسطينى العادى، الذى لا يخضع لانتماء سياسى معين، ولا يعبر عن تيار يستخدم الدين بديلًا عن الوطنية تجعله يدفع واحدة من أغلى الفواتير فى التاريخ المعاصر وسط أجواء مشحونة بالتوتر والغضب، حيث إن إسرائيل تحارب بضراوة وقسوة مدعومة من قوى مختلفة فى العالم، ولقد أدهشنى على سبيل المثال أن دولة مثل النمسا، المعروفة تاريخيًا بنوع من التوازن يصل إلى درجة الحياد، قد كشفت عن وجه مختلف بتأييد مطلق لإسرائيل، بل رفعت الأعلام الإسرائيلية على مبانيها الرسمية فى إشارة إلى الدعم المطلق ضد الشعب الفلسطينى الذى قدم من الشهداء أطفالًا ونساءً ورجالًا وصبية فى مقتبل العمر توهموا أن العالم سوف يدعم من يسعى لتحرير الوطن والعيش فى حدود آمنة لدولة مستقلة،
ولكن شريعة العصر تبدو مختلفة عن ذلك تمامًا والساحة مشحونة مع احتمالات لجر أطراف أخرى، بدءًا من سوريا وصولًا إلى حزب الله، مع قلق شديد فى المشرق العربى ومنطقة الشام الكبير، وإذا انتقلنا من ذلك إلى الهموم المصرية فسوف نجد أن تداعيات أزمة سد النهضة قد جثمت على صدر القارة الإفريقية، وجعلتنا نشعر بأننا على مشارف مواجهة دبلوماسية وسياسية قد تؤجج صراعات أخرى فى المنطقة يتصل بعضها بالحدود الجغرافية والبعض الآخر بالوحدة الإقليمية للأنهار الدولية عابرة القارات، ولا يلوح فى الأفق حتى الآن أى بوادر لمرونة إثيوبية تدرك أن النهر للجميع وأن المياه حق من حقوق الحياة، فهى ليست نفطًا ولا غازًا، بل هى واحدة من المصادر الطبيعية للوجود على كوكب الأرض، ويتساءل الكثيرون عن مدى صبر مصر على هذا الوضع، ويرى البعض صراحة أن مصر تحملت أكثر مما يجب وصبرت أطول من الممكن، ويلتفت الجميع حوله إلى القوة القادرة على ممارسة ضغوط على أديس أبابا، بدءًا من الاتحاد الإفريقى وصولًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع الوضع فى الاعتبار أهمية الأمم المتحدة، بل والاتحاد الأوروبى أيضًا، ولكن كل هذه القوى منفردة ومجتمعة غير قادرة حتى الآن على القيام بعملية اختراق للمشكلة فى اتجاه الحل، وتنظر مصر نحو أشقائها العرب فتجدهم يرددون عبارات طيبة تجاه مصر ولكنهم لا يتخذون من الإجراءات العملية ما يدعم العدالة فى توزيع حصص مياه النهر ما دام هم أو بعضهم يستثمرون مياه النهر على أرض مشتراه فى إثيوبيا والسودان، إننا أمام وضع صعب فى تركيبة معقدة يستحيل معها أن تهب رياح باردة بين يوم وليلة فى هذا الصيف الساخن، وهناك من يحاول- ولو بشكل مستتر- أن يضع مصر فى وضع صعب بين مطرقة القوى الأجنبية الطامعة فى المنطقة وسندان الوضع على حدود مصر الشرقية، فإذا فتحت معبر رفح التزامًا قوميًا وإنسانيًا، خصوصًا أمام طوفان المصابين والجرحى، فإنه لا بأس من احتمال دخول عشرات الآلاف من قوى سياسية أجنبية غير موالية للدولة المصرية، أما إذا رفضت مصر وتشبثت بالإغلاق فمن الطبيعى أن يعتبرها العرب والفلسطينيون وقوى دولية أخرى- متربصة بمصر- شريكًا فى قتل الفلسطينيين وإغلاق طرق النجاة أمامهم، وسوف تستثمر ذلك حركة حماس لأقصى حد، إذ إنها الجناح العسكرى لجماعة الإخوان المسلمين فى المقاومة الفلسطينية، وهكذا تبدو مصر ضحية لمؤامرة شريرة ليس فيها خلق، ولكن فيها حقد، ليس فيها فروسية، ولكن فيها كيدية وكراهية كامنة، ويتساءل كثير من المصريين فى براءة لماذا أدت الظروف بنا إلى الوضع الراهن ونحن نبنى وطننا بعيدًا عن غيرنا ولا نتدخل فى شؤون سوانا، فكيف يصل الأمر إلى المخاطر التى نشهدها الآن، والتى تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه صيف ساخن، بل قد يصبح صيفًا أكثر سخونة من عشرات السنين التى مضت.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2343711